ليجانيس يفاجئ أتلتيكو مدريد ويرسم خريطة الليغا: سقوط الكبار لا يحدث دائمًا
في أمسية لم يتوقعها أكثر المحللين تفاؤلاً من جانب ليجانيس، وفي ملعب لا يحمل في العادة رمزية النتائج التاريخية، جاء الانفجار. استطاع نادي ليجانيس، المتواضع في حضوره والعنيد في أدائه، أن يوجه صفعة قوية لطموحات أتلتيكو مدريد في التتويج بلقب الدوري الإسباني، محققًا فوزًا مستحقًا أعاد ترتيب الأوراق في سباق اللقب، وأدخل عنصر الشك في مسيرة كتيبة دييغو سيميوني التي كانت تبدو، قبل هذه المواجهة، كقطار لا يمكن إيقافه.
أتلتيكو يتعثر بعد 15 مباراة من الصلابة
قبل هذه المباراة، كان أتلتيكو مدريد يعيش واحدة من أفضل فتراته هذا الموسم. سلسلة من 15 مباراة متتالية دون هزيمة جعلته رقماً صعباً في سباق الليغا، مع أداء هجومي أكثر مرونة من المعتاد ودفاع مستقر كالعادة. بدا الفريق وكأنه وصل إلى نضج تكتيكي وانسجام بدني وذهني يمنحه أفضلية واضحة أمام خصومه. لكن كما أثبتت كرة القدم مراراً، فإن الموازين لا تنقلب دائماً في البرنابيو أو الكامب نو، وإنما أحيانًا في الملاعب التي لا يُتوقع أن تكون مسرحًا لتغيير المعادلات الكبرى.
ليجانيس دخل المباراة بثقة محسوبة، يعرف حجمه ويعرف أيضًا أن المفاجآت لا تأتي من الصدفة. وفعلاً، منذ صافرة البداية، أظهر الفريق نية هجومية لا تخلو من الجرأة، وتمركزاً منظماً على مستوى خط الوسط، وأداءً دفاعيًا ضاغطًا على حامل الكرة من أتلتيكو، مما جعل الفريق العاصمي يعاني في صناعة اللعب، ويعجز عن فرض هيمنته المعهودة.
جريزمان… لحظة قد تغير موسمًا
المباراة حملت لحظة درامية بامتياز عندما حصل أتلتيكو على ركلة جزاء في الدقيقة 91، فرصة بدا أنها ستنقذ النقطة الواحدة على أقل تقدير، وربما تُبقي الزخم النفسي الذي بناه الفريق طوال الأسابيع الماضية. لكن أنطوان جريزمان، النجم الفرنسي وأحد الأعمدة الأساسية في مشروع سيميوني، فشل في ترجمة الركلة إلى هدف. تسديدة ضعيفة ومقروءة تصدى لها حارس ليجانيس ببراعة، ليتحول ما كان يمكن أن يكون عودة درامية إلى صدمة نفسية قد تلقي بظلالها على المباريات القادمة.
هذه الركلة المهدورة ليست مجرد لقطة في مباراة، بل قد تكون فاصلاً زمنياً في موسم أتلتيكو. فقد أظهرت، في لحظة حساسة، أن الضغط قد يكون بدأ يتسلل حتى إلى أكثر اللاعبين خبرة. وهي في الوقت ذاته شهادة على التصميم الدفاعي والفني لليجانيس، الذي صمد حتى الرمق الأخير دون أن ينهار تحت وطأة الوقت والنتيجة.
ليجانيس… عدو الكبار هذا الموسم
لم تكن هذه المرة الأولى التي يفاجئ فيها ليجانيس أحد عمالقة الليغا هذا الموسم. ففي وقت سابق، تمكن من هزيمة برشلونة في مباراة مشابهة من حيث الجرأة التكتيكية والفعالية الهجومية. هذه النتائج ليست مجرد "حوادث مفاجئة"، بل تدل على أن ليجانيس يعمل وفق خطة ممنهجة، واستراتيجية واضحة تعتمد على صلابة دفاعية، وهجمات مرتدة سريعة، وقدرة على القراءة الذكية لمواطن ضعف الفرق الكبرى.
في مباراة أتلتيكو، كان واضحاً أن ليجانيس راقب تحركات لاعبي الخصم بدقة، خصوصاً في العمق الدفاعي والضغط العالي الذي يعتمده سيميوني. الفريق استغل بشكل بارع المساحات خلف الظهيرين، واعتمد على الكرات العرضية القصيرة في منطقة الوسط لإخراج أتلتيكو من منطقته وضرب خطوطه الخلفية.
تداعيات على سباق اللقب… ريال مدريد في الموعد
السقوط المفاجئ لأتلتيكو كان بمثابة الهدية الكبرى لريال مدريد. الفريق الملكي الذي كان يترقب أي تعثر من منافسه المباشر أصبح الآن على بُعد نقطة واحدة فقط من الصدارة، ما يعني أن الدوري عاد ليكون في متناول اليد. والأهم من ذلك، أن الضغوط بدأت تنتقل من كتيبة أنشيلوتي إلى سيميوني، الذي عليه الآن ألا يخطئ في أي مباراة مقبلة إذا ما أراد الحفاظ على فرصه في اللقب.
ريال مدريد يمتلك حاليًا أفضلية في العامل النفسي، حيث فاز في مبارياته الأخيرة بطريقة مقنعة، ويستعيد بشكل تدريجي لاعبيه المصابين وعلى رأسهم دافيد ألابا، في حين يواصل كيليان مبابي تقديم مستويات ممتازة، مما يعزز القوة الهجومية للفريق. وفي المقابل، يبدو أتلتيكو وكأنه بدأ يدخل في حالة شك، وهو أمر خطير في هذه المرحلة من الموسم، حيث تكون التفاصيل الصغيرة حاسمة في تحديد هوية البطل.
هل تتكرر مأساة المواسم السابقة؟
هذا النوع من التعثرات أعاد إلى الأذهان ذكريات غير سارة لجماهير أتلتيكو مدريد، حيث مر الفريق في مواسم سابقة بحالات مشابهة كان فيها متقدماً ثم فقد الزخم في اللحظات الحاسمة. موسم 2020-2021 هو المثال الأشهر، حيث كاد الفريق أن يفقد اللقب بعد سلسلة من التعثرات قبل أن يستعيد توازنه في الجولات الأخيرة.
لكن هذا الموسم يبدو مختلفاً من حيث شراسة المنافسة وتعدد الأطراف المنافسة، خصوصًا أن برشلونة ما زال يتحين الفرصة للعودة، كما أن الفرق المتوسطة مثل جيرونا وفياريال تقدم مستويات قد تؤثر في نتائج المتصدرين. أي نقطة ضائعة الآن قد تكون مكلفة، وأي ركلة جزاء مهدرة قد تتحول إلى حجر أساس في خسارة اللقب.
سيميوني تحت المجهر
المدرب الأرجنتيني الذي اعتاد على امتصاص الضغوط، سيواجه الآن أصعب اختباراته هذا الموسم. فالفريق لا يحتاج فقط إلى تدارك النقاط، بل أيضًا إلى استعادة الروح. يجب عليه إعادة بناء الثقة داخل غرفة الملابس، وخصوصًا مع لاعبين أمثال جريزمان ويانيك كاراسكو الذين يظهر عليهم الإرهاق الذهني. كما أن الدفاع الذي طالما كان العلامة الفارقة لأتلتيكو بدأ يعاني من اختراقات متكررة، الأمر الذي يتطلب تعديلًا تكتيكيًا عاجلاً.
ليجانيس… الفريق الذي لا يمكن تجاهله
بعيدًا عن تأثير النتيجة على فرق القمة، فإن ليجانيس يستحق الإشادة الكاملة. هذا الفريق لا يملك الموارد المالية الضخمة، ولا يتصدر العناوين الرياضية يوميًا، لكنه يعمل بصمت، ويحقق ما يعجز عنه الكثير من الفرق ذات الأسماء الكبرى. من الواضح أن هذا النادي بدأ في بناء هوية خاصة به، تقوم على الصلابة والانضباط، والثقة في النفس حتى أمام أعتى الخصوم.
ومع نهاية المباراة، لم يكن الفوز مجرد ثلاث نقاط في الترتيب، بل كان إعلانًا بأن كرة القدم لا تعترف بالتوقعات، وأن الفرق الصغيرة قادرة، بالعقل والانضباط، على قلب المعادلة.
كرة القدم لعبة الفرص… واللحظات
ربما يتذكر عشاق الليغا هذا الموسم على أنه موسم الفرص المهدورة واللحظات الضائعة. لحظة جريزمان أمام ليجانيس قد تصبح رمزًا لفصل تحول فيه المسار. لكن في المقابل، هذه اللحظة هي دليل أيضًا على جمال كرة القدم: لا شيء مضمون، ولا أحد محصن، والبطولة لا تُحسم إلا بصافرة الجولة الأخيرة. ليجانيس كتب فصلاً جديداً في قصة الموسم، وأعاد الحياة لسباق كان يبدو وكأنه يسير في اتجاه واحد.