ديفيد ألابا يعود بعد 389 يومًا: حجر الأساس يعود إلى دفاع ريال مدريد
بعد غياب دام 389 يومًا، سجّل النجم النمساوي ديفيد ألابا عودته المنتظرة إلى تشكيلة ريال مدريد، ليطوي صفحة مؤلمة من الغياب القسري بسبب إصابة معقدة في الركبة. اللحظة التي طال انتظارها من الجماهير والمدرب كارلو أنشيلوتي أخيرًا أصبحت واقعًا، لتعود معها آمال كبيرة في ترميم الخط الخلفي للنادي الملكي الذي عرف مراحل من القلق والاضطراب في غياب أحد أبرز أعمدته الدفاعية.
بداية القصة: الإصابة التي أوجعت مدريد
في الموسم الماضي، وبينما كان ألابا يقدم مستويات ثابتة ويضبط الإيقاع الدفاعي للفريق، جاءت الإصابة المفاجئة كضربة موجعة لريال مدريد. تمزق في الرباط الصليبي، واحدة من أكثر الإصابات تعقيدًا وخطورة في عالم كرة القدم، أُجبر على إثرها اللاعب على إجراء عملية جراحية والدخول في برنامج تأهيلي طويل ومضنٍ استمر لأكثر من عام.
لم تكن إصابة ألابا مجرد خسارة للاعب، بل اختلال لمنظومة دفاعية برمتها. فمنذ انضمامه إلى ريال مدريد قادمًا من بايرن ميونيخ في صيف 2021، شكّل ألابا ركيزة أساسية في تشكيل الفريق، بفضل مرونته التكتيكية وخبرته التي تتجاوز سنواته، إضافة إلى شخصيته القيادية داخل الملعب.
اللاعب المتعدد الأدوار: ثروة تكتيكية
منذ قدومه إلى العاصمة الإسبانية، أظهر ألابا قدرة فريدة على التأقلم في مراكز متعددة: قلب دفاع، ظهير أيسر، وحتى كلاعب ارتكاز عند الحاجة. ما يميّز هذا اللاعب ليس فقط قدراته البدنية أو الفنية، بل أيضًا ذكاؤه التكتيكي العالي، وقراءته الممتازة للعب، وقدرته على التمرير الدقيق في بناء الهجمة من الخلف.
هذا النوع من اللاعبين هو حلم لكل مدرب، خاصة في ظل مواسم مضغوطة وإصابات متكررة. كارلو أنشيلوتي استفاد كثيرًا من هذه المرونة، فكان يوظف ألابا وفق متطلبات المباراة والخصم، مما أضفى توازنًا كبيرًا على التشكيلة.
دفاع مدريد تحت الضغط: الحاجة إلى قائد
منذ إصابة ألابا، عرف الخط الخلفي لريال مدريد تغيرات متكررة وتحديات عديدة. إصابات متتالية لزملائه في الدفاع مثل ميليتاو وناتشو، ومعاناة بعض اللاعبين في تقديم نفس مستوى الثبات، أثرت على الفريق خاصة في المباريات الكبرى. صحيح أن أنشيلوتي حاول تعويض الغياب من خلال تدوير اللاعبين وتغيير الخطط، لكن غياب ركيزة أساسية مثل ألابا ترك فراغًا واضحًا.
عودة ألابا الآن تمثل حلًا فنيًا ونفسيًا في آنٍ معًا. فالفريق لم يكن بحاجة فقط إلى مدافع جيد، بل إلى قائد يوجه زملاءه في أرضية الملعب، ويتحكم في التمركز، ويقود عملية بناء اللعب من الخلف بثقة واتزان.
الأثر النفسي لعودة النجم الغائب
تأثير عودة ألابا لا يقتصر فقط على الجانب الفني، بل يتعداه إلى الجانب النفسي داخل غرفة الملابس. اللاعب النمساوي يتمتع بكاريزما عالية، وهو من اللاعبين الذين يرفعون المعنويات بمجرد وجودهم. بالنسبة للاعبين الشبان في الفريق، مثل فران غارسيا أو حتى تشواميني عندما يشارك كقلب دفاع، فإن وجود ألابا يمنحهم الثقة والاطمئنان.
ومن جهة أخرى، فإن الجماهير التي لطالما عبّرت عن دعمها لألابا طوال فترة غيابه، تعتبر عودته انتصارًا على الظروف، ومصدر أمل في المراحل المقبلة من الموسم التي تشهد ضغطًا كبيرًا من المنافسات المحلية والأوروبية.
تحديات العودة: بين الحذر والتدرج
رغم الحماسة الكبيرة، فإن عودة ألابا إلى الملاعب تحتاج إلى إدارة حذرة. العودة من إصابة طويلة ليست بالأمر السهل، لا بد من إدماجه تدريجيًا في التشكيلة الأساسية، مع مراقبة حالته البدنية وتفادي أي إجهاد قد يعرضه لانتكاسة.
الجهاز الفني يدرك جيدًا أن الموسم لا يزال طويلًا، والتحديات لا تزال كثيرة، لذلك من المرجح أن يتم التناوب بينه وبين لاعبين آخرين في البداية. المهم أن يكون ألابا في قمة مستواه مع اقتراب الأدوار الإقصائية لدوري أبطال أوروبا، وهي البطولة التي يعتبرها النادي الملكي الأهم دائمًا.
الريال وأحلام الموسم: هل تكون عودة ألابا مفتاحًا للقب جديد؟
ريال مدريد ينافس على عدة جبهات هذا الموسم، ومع عودة عدد من اللاعبين من الإصابة وعلى رأسهم ألابا، فإن الفريق يمتلك مجددًا الأدوات اللازمة للمضي قدمًا نحو تحقيق ألقاب جديدة. التوازن بين الهجوم والدفاع سيكون عنصرًا حاسمًا، خاصة في المباريات الكبرى التي تُحسم بتفاصيل صغيرة.
المدرب أنشيلوتي كان واضحًا في أكثر من مناسبة: "نحن بحاجة لكل لاعب، والعودة التدريجية للمصابين تعني أننا سنكون أقوى مع مرور الوقت." وبالنظر إلى جدول المباريات المقبلة، فإن عودة ألابا تمنح الفريق دفعة معنوية وفنية كبيرة.
ما بعد الإصابة: هل يعود ألابا كما كان؟
سؤال يشغل تفكير المحللين والجماهير على حد سواء. تاريخ كرة القدم حافل بلاعبين عادوا بعد إصابات طويلة أقوى مما كانوا عليه، وآخرين لم يستطيعوا استعادة مستواهم السابق. في حالة ألابا، فإن التفاؤل له ما يبرره، فقد أظهر جدية كبيرة في التعافي، كما أن خبرته ستمكنه من التأقلم بسرعة مع النسق العالي للمباريات.
إن طريقة لعب ألابا، التي تعتمد على الذكاء أكثر من القوة البدنية، تعزز من فرص نجاح عودته. كما أن الدعم الطبي والبدني الذي يتلقاه في ريال مدريد، أحد أفضل الأندية في العالم من حيث البنية التحتية، سيمنحه بيئة مثالية للاستمرارية.
الختام: عودة ليست فقط للاعب، بل لروح الفريق
إن عودة ديفيد ألابا ليست مجرد استرجاع لاسم كبير في الدفاع، بل هي استعادة لقطعة محورية في منظومة ريال مدريد، التي لطالما تميزت بالتوازن بين الخطوط. ألابا يجسّد العقل والقلب في خط الدفاع، ووجوده يعيد للفريق روح الانتصار والطمأنينة.
في موسم طويل وشاق، حيث تتراكم التحديات وتتعدد الطموحات، قد تكون عودة ألابا هي الحدث الذي يغيّر مسار الفريق، ويعيد إليه صلابته ومكانته على الصعيدين المحلي والأوروبي.
فهل يحمل ألابا بين قدميه طريق العودة إلى المجد المدريدي؟ الأيام كفيلة بالإجابة، ولكن المؤكد أن ريال مدريد بات أكثر قوة وثقة... فقط لأنه عاد.