ريال مدريد يكتسح سالزبورغ بخماسية مقابل هدف في دوري الأبطال

 

ريال مدريد يعزف سيمفونية الأبطال بخماسية في مرمى سالزبورغ: تألق جماعي يقوده مبابي وفينيسيوس وبيلينغهام


في ليلة أوروبية لا تنسى من ليالي ملعب سانتياغو برنابيو، أمطر ريال مدريد شباك ضيفه سالزبورغ النمساوي بخمسة أهداف مقابل هدف، في مباراة أكدت مجددًا الهيمنة الفنية والذهنية للنادي الملكي في مسابقة دوري أبطال أوروبا، البطولة التي يتقن التعامل معها أكثر من أي نادٍ آخر. الفوز الساحق لم يكن مجرد ثلاث نقاط تضاف لرصيد الفريق في دور المجموعات، بل كان عرضًا كرويًا استثنائيًا يجسد الانسجام الكبير بين خطوط الفريق، والتوهج الفردي لعدد من أبرز نجومه، وعلى رأسهم رودريغو وفينيسيوس جونيور وكيليان مبابي، إلى جانب مايسترو الوسط جود بيلينغهام.


بداية نارية... وشراكة مثالية بين رودريغو وبيلينغهام


دخل ريال مدريد اللقاء بتشكيلة هجومية بحتة، حيث اعتمد كارلو أنشيلوتي على الثلاثي رودريغو ومبابي وفينيسيوس في الخط الأمامي، مدعومين بوجود بيلينغهام في مركز الوسط المتقدم، في تركيبة أثبتت منذ الدقيقة الأولى قدرتها على تدمير دفاعات الخصم. وفي الدقيقة 12 فقط، افتتح رودريغو التسجيل بعد تمريرة حريرية من بيلينغهام، الذي اخترق دفاع سالزبورغ بتمريرة بينية مذهلة وضعت زميله البرازيلي في مواجهة المرمى، ليراوغ الحارس ويسكن الكرة الشباك بسهولة.


لم تمر سوى دقائق حتى عاد نفس الثنائي ليكرر نفس السيناريو. بيلينغهام هذه المرة مر من بين ثلاثة لاعبين بمهارة فنية راقية، قبل أن يمنح رودريغو تمريرة عرضية أرضية حولها الأخير إلى هدف ثانٍ، واضعًا ريال مدريد في المقدمة 2-0 قبل مرور نصف ساعة من زمن اللقاء. الشراكة بين بيلينغهام ورودريغو ظهرت بمثابة نقطة قوة يصعب إيقافها، وقد أثبت اللاعبان أن التفاهم بينهما تطور ليصبح من أبرز أسلحة ريال مدريد الهجومية هذا الموسم.


مبابي... تأكيد الحضور في المواعيد الكبرى


الشوط الثاني بدأ بنفس النسق، حيث استمر الضغط المدريدي الكاسح على دفاع سالزبورغ، الذي بدا عاجزًا عن مجاراة السرعة والمهارة. وفي الدقيقة 57، أتى الدور على النجم الفرنسي كيليان مبابي الذي لم يخيب ظن جماهير البرنابيو، وسجل الهدف الثالث بعد هجمة مرتدة سريعة بدأها بيلينغهام مجددًا، قبل أن يمرر إلى مبابي الذي استغل المساحة وسدد كرة قوية في الزاوية البعيدة.

هدف مبابي جاء ليؤكد أنه صفقة الموسم بامتياز، وأن تأقلمه مع ريال مدريد لم يحتج إلى فترة طويلة، بل إنه بات أحد أعمدة الفريق الأساسية في ظرف شهور قليلة. سرعته، قراءته الجيدة للملعب، وقدرته على التسجيل من أنصاف الفرص كلها عوامل تجعل منه تهديدًا دائمًا لأي خط دفاع.


فينيسيوس جونيور... استعراض فني وحسم في اللمسة الأخيرة


لكن الحفلة لم تنته عند الثلاثية. فينيسيوس جونيور، الذي بدأ المباراة بتحركات مزعجة من الجهة اليسرى، ترجم تفوقه إلى هدف رابع في الدقيقة 68، بعد عمل جماعي جميل بدأه فالفيردي، ومرر الكرة إلى مودريتش الذي قدم تمريرة سحرية لوينيسيوس، لم يتوانَ الأخير عن إرسالها إلى الشباك بتسديدة ذكية.

الهدف الخامس جاء في الدقيقة 81، عندما اخترق فالفيردي العمق الدفاعي ومرر الكرة إلى فينيسيوس الذي كان في الموعد مجددًا، وأسكن الكرة الشباك مضاعفًا جراح الفريق النمساوي، ومؤكدًا استحقاقه للقب رجل المباراة بلا منازع. سرعة فينيسيوس، وتمركزه الذكي، وقدرته على المراوغة والتمرير الحاسم كلها عوامل جعلته من أبرز أسلحة ريال مدريد في هذا اللقاء.

سالزبورغ... أداء باهت ومقاومة متأخرة

من جهته، لم يقدم سالزبورغ الأداء الذي توقعه البعض منه، خاصة في الشوط الأول الذي شهد انهيارًا دفاعيًا واضحًا. افتقد الفريق للنضج في التعامل مع الضغط العالي الذي فرضه ريال مدريد، وبدت خطوطه مفككة في معظم لحظات المباراة. ورغم تسجيل هدف شرفي في الدقيقة 88 بعد كرة عرضية استغلها مهاجمه الوحيد داخل منطقة الجزاء، فإن الفريق بدا وكأنه كان يلعب فقط لتقليل الأضرار.

الحقيقة أن الفوارق الفردية والتكتيكية بين الفريقين بدت واضحة بشكل لا يترك مجالًا للشك. ريال مدريد بدا في مستوى مختلف تمامًا، من حيث الاستعداد الذهني، والتنظيم، والتنفيذ الهجومي، والحدة في الضغط. أما سالزبورغ، فكان ضحية لقوة خصمه أكثر مما كان سيئًا بذاته.

تحليل فني وتكتيكي لأداء ريال مدريد

إذا ما أردنا تحليل أداء ريال مدريد من منظور تكتيكي، فإن هناك عدة ملاحظات مهمة تستحق الوقوف عندها:

1. التحولات السريعة: واحدة من أبرز ميزات ريال مدريد كانت القدرة على التحول السريع من الدفاع إلى الهجوم، وهو ما أرهق دفاع سالزبورغ تمامًا. وجود بيلينغهام ومبابي وفينيسيوس، إلى جانب سرعة التحرك من لاعبي الوسط، جعل الهجمات المرتدة سلاحًا مدمرًا.

2. الضغط العالي: مارس ريال مدريد ضغطًا عاليًا منذ الدقائق الأولى، ما أجبر سالزبورغ على ارتكاب عدة أخطاء في التمرير بالخلف، ومنح مدريد العديد من الفرص الخطيرة.

3. تنوع مصادر الأهداف: اللافت في اللقاء أن الأهداف جاءت من تنوع كبير في المصادر، ما بين الكرات القصيرة، والاختراق من الأطراف، والهجمات المرتدة. هذا يدل على مرونة تكتيكية كبيرة من أنشيلوتي، وقدرة الفريق على تنفيذ أكثر من سيناريو هجومي.

4. الأدوار الثنائية: تألق الثنائيات في الملعب كان لافتًا، خاصة بين بيلينغهام ورودريغو، وفينيسيوس وفالفيردي، وهي شراكات لعبت دورًا كبيرًا في فك التكتل الدفاعي لسالزبورغ.

ماذا بعد هذا الفوز؟

بهذا الفوز العريض، يؤكد ريال مدريد جاهزيته الكاملة للمنافسة على لقب دوري الأبطال هذا الموسم، ليس فقط من حيث النتائج، ولكن أيضًا من حيث الأداء الفني العالي والانضباط التكتيكي. الفريق يمتلك الآن مجموعة متكاملة من النجوم القادرين على الحسم في أي لحظة، إلى جانب جهاز فني خبير يعرف كيف يدير المواعيد الكبرى.

من جهة أخرى، يحتاج سالزبورغ إلى مراجعة الكثير من الأمور، خاصة على المستوى الدفاعي، إذا ما أراد التنافس على التأهل من هذه المجموعة. الفريق لم يكن سيئًا في المجمل، لكن مواجهات الكبار تحتاج إلى أكثر من مجرد التنظيم والجهد.

يمكن اعتبار هذه المباراة استعراضًا مبكرًا لقوة ريال مدريد في نسخة هذا الموسم من دوري أبطال أوروبا. أداء جماعي ممتاز، حسم هجومي سريع، تألق فردي لأبرز النجوم، وقراءة ممتازة من الجهاز الفني. الخماسية في شباك سالزبورغ لم تكن مبالغة، بل كانت نتيجة منطقية لفريق يعرف كيف يلعب تحت الأضواء الأوروبية، ويؤكد في كل مرة أنه الرقم الأصعب في البطولة الأغلى.


ريال مدريد لم يكن فقط فائزًا بالنتيجة، بل قدم عرضًا كرويًا متكاملًا يؤكد أن "الملكي" يسير في الطريق الصحيح نحو منصة التتويج، بقيادة توليفة متجانسة من النجوم، يتصدرهم مبابي وبيلينغهام وفينيسيوس، الذين يمثلون الجيل الذهبي الجديد لهذا الصرح التاريخي.