عودة الروح: ميغيل ألميرون في طريقه إلى أتلانتا يونايتد... من البريميرليغ إلى البيت الأول
وسط زخم انتقالات الصيف وموجات التغيير التي تضرب معظم أندية العالم، برز خبر انتقال ميغيل ألميرون كنقطة استثنائية في مشهد السوق، ليس فقط بسبب قيمة الصفقة أو اسم اللاعب، ولكن بسبب طبيعة الحكاية التي ترتبط بها. اللاعب الباراغواياني الموهوب، الذي حطّ الرحال في أوروبا عبر بوابة نيوكاسل يونايتد عام 2019، يبدو الآن مستعدًا للعودة إلى بيته الأول، أتلانتا يونايتد، في صفقة تبلغ قيمتها قرابة 12 مليون دولار.
الأمر لا يتعلق بصفقة انتقال فنية فقط، بل هي قصة وفاء، حنين، وربما بحث عن الذات الكروية في مكان انطلقت منه شرارة المجد. العقد المرتقب سيمتد لعام ونصف، وهي مدة تعكس طموح النادي الأمريكي في استغلال قدرات اللاعب فورًا، واستثمار خبراته على المدى القصير، وربما تمديد العلاقة لاحقًا إذا ما سارت الأمور كما هو مأمول.
ألميرون: رحلة بدأت من أمريكا وبلغت البريميرليغ
ولد ميغيل ألميرون في أسونسيون عاصمة الباراغواي، وبدأ مسيرته الكروية في نادي سيرو بورتينيو، حيث أظهر منذ بداياته مهارات استثنائية بالكرة، وتمريراته الذكية، وسرعته اللافتة في التحول الهجومي. انتقل بعد ذلك إلى نادي لانوس الأرجنتيني، وهناك انطلقت شرارة مسيرته الاحترافية الفعلية، إذ جذب أنظار كشافي الدوري الأمريكي الذين رأوا فيه مشروع نجم قابل للتطور والانفجار.
في عام 2017، انتقل إلى أتلانتا يونايتد في صفقة كانت الأضخم حينها في تاريخ الدوري الأمريكي للاعب شاب من أمريكا الجنوبية. ومع مرور الوقت، تحوّل ألميرون إلى أيقونة للفريق، حيث لعب دورًا محوريًا في تتويج أتلانتا بلقب الدوري الأمريكي (MLS) عام 2018، وهو اللقب الذي وضع الفريق على خريطة المنافسة المحلية والدولية، ورسّخ اسم اللاعب في أذهان جماهير الكرة الأمريكية.
نيوكاسل: مغامرة أوروبية برهانات صعبة
في يناير 2019، شدّ ألميرون الرحال إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، حين تعاقد معه نيوكاسل يونايتد مقابل ما يقارب 21 مليون جنيه إسترليني، ليصبح حينها أغلى صفقة شراء في تاريخ النادي. الصفقة كانت محط أنظار الصحافة والجماهير، حيث عُوّل عليه ليكون نقطة التحول في مشروع نيوكاسل الذي كان يواجه صعوبات مالية وفنية.
ألميرون قدم مستويات متذبذبة في سنواته الأولى، لكنه حافظ على حضور ثابت في التشكيلة، وبدأ بالتحسن التدريجي خصوصًا في موسم 2022/2023، حين أظهر لمحات هجومية مميزة، وسجل عددًا من الأهداف الجميلة. ومع استحواذ صندوق الاستثمار السعودي على النادي، وبدء استقطاب أسماء عالمية، تراجع دور ألميرون شيئًا فشيئًا، رغم تفانيه داخل الملعب ومساهماته المستمرة.
وبنهاية موسم 2024/2025، أصبح واضحًا أن اللاعب لم يعد عنصرًا أساسيًا في مشروع نيوكاسل المستقبلي، ما فتح باب الرحيل، وأعاد أتلانتا إلى الصورة كخيار منطقي ومثالي.
لماذا أتلانتا؟ ولماذا الآن؟
بعيدًا عن الجانب الفني، فإن العلاقة التي تربط ألميرون بأتلانتا يونايتد تتجاوز مفهوم اللاعب والنادي. هنا نحن نتحدث عن أول بيت احتضنه، أول جمهور هتف باسمه، وأول بطولة رفعها في مسيرته. هذا النوع من الروابط يصعب كسره، بل ويتحول في كثير من الأحيان إلى دافع داخلي عند اللاعب للعودة وترك بصمة أكبر.
الظروف بدت مهيأة تمامًا: أتلانتا بحاجة إلى صانع لعب بخبرة أوروبية، وقيادي قادر على بث الروح في فريق يعاني من تذبذب فني منذ رحيل المدرب تاتا مارتينو. في المقابل، ألميرون بحاجة إلى مشروع يمنحه دقائق لعب منتظمة، وثقة جماهيرية، وأجواء أقل ضغطًا من الدوري الإنجليزي.
كما أن أتلانتا لديه عناصر هجومية واعدة، مثل تياجو ألمادا، ووجود ألميرون إلى جانبه قد يصنع ثنائيًا ذهبيًا، يعيد الفريق إلى صدارة المشهد.
ماذا سيقدم ألميرون لأتلانتا في نسخته الجديدة؟
عندما نتحدث عن ألميرون، فنحن لا نتحدث فقط عن صانع ألعاب تقليدي، بل عن لاعب يجمع بين القدرة على التمرير، والسرعة، والتحركات الذكية بين الخطوط. هو لاعب يفهم المساحات جيدًا، ويعرف متى يتحرك ومتى ينتظر.
خلال مسيرته في نيوكاسل، تطور كثيرًا على مستوى الدفاع والتحولات، ما يجعله اليوم أكثر تكاملًا من نسخته الأمريكية الأولى. إضافة لذلك، فإن وجوده في فريق يعرفه، ويعرف نقاط قوته، سيسرّع من اندماجه ويزيد من تأثيره المباشر.
على الصعيد الجماهيري، عودة ألميرون ستشكل دفعة نفسية كبيرة لجمهور أتلانتا، الذي كان يطالب منذ سنوات بإعادة اللاعب. من المتوقع أن يرتفع الحضور الجماهيري، وتزداد مبيعات التذاكر وقمصان النادي، مما ينعش اقتصاد الفريق ويزيد من قيمة العلامة التجارية للنادي.
الفحص الطبي والتفاصيل النهائية: خطوة تفصل عن الإعلان الرسمي
بحسب مصادر مقربة من الناديين، فإن الصفقة تم التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأنها، ومن المنتظر أن يخضع ألميرون للفحص الطبي خلال الأسبوع الجاري، قبل السفر إلى الولايات المتحدة والانضمام لمعسكر فريقه الجديد.
تشير التسريبات إلى أن عقده سيتضمن خيار تمديد تلقائي لعام إضافي في حال استوفى عددًا من الشروط، أبرزها عدد المشاركات، والمساهمة في الأهداف، والوصول إلى الأدوار النهائية في الدوري.
ردود الأفعال: فرحة في أمريكا... ووداع هادئ في نيوكاسل
في أمريكا، لا سيما في أوساط جماهير أتلانتا، كانت ردود الأفعال إيجابية للغاية. كثيرون عبّروا عن حماسهم لعودة "الابن الضال"، وأعادوا نشر مقاطع من أهدافه ومراوغاته في الدوري الأمريكي. الصفحة الرسمية للنادي ألمحت أكثر من مرة إلى الصفقة بطريقة "تشويقية"، ما زاد من الترقب.
في إنجلترا، كانت ردة الفعل هادئة. الجماهير شكرت ألميرون على إخلاصه، واعتبرته لاعبًا مخلصًا لم يُثر الجدل رغم ظروفه المعقدة. حتى إدارة نيوكاسل فضلت عدم الدخول في سجال، واعتبرت رحيله جزءًا طبيعيًا من إعادة هيكلة الفريق.
ماذا بعد؟
العودة إلى أتلانتا لا تعني بالضرورة نهاية مسيرة ألميرون على مستوى الطموح. بالعكس، قد تكون هذه الخطوة بداية لموسم استثنائي يعيد اللاعب إلى الواجهة، وربما يضعه على رادارات جديدة. في عمر الـ31، لا يزال أمامه سنوات جيدة، وإذا استطاع استثمارها بالشكل الأمثل، فقد نشهد عودة قريبة له إلى أحد الدوريات الأوروبية، أو حتى إلى منتخب بلاده في مشاركات قارية.
كما أن الدوري الأمريكي نفسه بات وجهة جاذبة، ومع ازدياد الاستثمارات والأسماء الكبيرة، فإن التنافس فيه أصبح أكثر جدية من أي وقت مضى.
ألميرون والحنين إلى المجد
في كرة القدم، لا تكون العودة دائمًا علامة على التراجع. أحيانًا، تكون العودة إلى نقطة الانطلاق هي أكثر خطوة نضجًا يمكن للاعب اتخاذها. بالنسبة لميغيل ألميرون، فإن العودة إلى أتلانتا يونايتد تمثل إعادة اتصال بالجذور، وتصحيحًا لمسار بدأ بإشراق كبير ثم ضاع قليلاً في دهاليز أوروبا.
في أتلانتا، يعرف اللاعب الأرضية، ويعرفه الجمهور، ويعرف الطريق إلى المرمى. وهنا، تبدأ فصول جديدة من الحكاية، ربما لا تقل إشراقًا عن البداية، بل تكون أكثر اكتمالًا وتجذرًا. ويبقى السؤال: هل يعود ألميرون بالنادي إلى المجد؟ أم يعود المجد إلى ألميرون نفسه؟
