برشلونة يطلق رسالة مدوية: سحق بيتيس بخماسية جديدة بعد إذلال ريال مدريد
في وقت لا مكان فيه للتراجع، وفي لحظة تتطلب من الكبار أن يثبتوا أنفسهم على كل الجبهات، صعد برشلونة إلى المسرح مجددًا، وهذه المرة في بطولة كأس ملك إسبانيا، حيث واجه ريال بيتيس في مباراة دور الـ16 على ملعب "مونتجويك"، ليقدم واحدة من أمتع عروضه هذا الموسم، ويؤكد للعالم أنه عاد ليبسط هيمنته محليًا بعد أن أطلق النار على منافسه الأبدي ريال مدريد قبل أيام في نهائي السوبر الإسباني.
برشلونة لم يرحم بيتيس، وانتصر عليه بنتيجة 5-1، ليحجز مقعدًا مستحقًا في ربع نهائي كأس الملك. فوز عريض حمل توقيع مجموعة من الأسماء التي بدأت تفرض نفسها على الساحة، أبرزهم لامين يامال، الجوهرة المتألقة، الذي قدّم مباراة تُدرّس في كل تفاصيلها، أداءً ومساهمة وصناعة، ليتم تتويجه بجدارة كرجل المباراة.
بداية نارية... برشلونة لا يمنح خصومه وقتًا للتنفس
دخل برشلونة اللقاء مدفوعًا بحماس فوز الكلاسيكو الكبير في نهائي السوبر قبل أيام، حيث اكتسح ريال مدريد بخماسية لا تُنسى في السعودية، ليعيد الثقة إلى مشروع المدرب ويُثبت أن الكتيبة الكتالونية تمتلك من العمق والكفاءة ما يجعلها تنافس على كل البطولات المتاحة.
منذ الدقيقة الأولى، كانت نوايا برشلونة واضحة. استحواذ، ضغط عالٍ، انتشار مثالي، وذكاء في التمركز بين الخطوط، ما جعل بيتيس يبدو مرتبكًا وغير قادر على مجاراة النسق الهجومي.
وجاء الهدف الأول سريعًا، بأقدام جافي، الذي واصل التألق رغم صغر سنه، وأكد مرة أخرى أنه أحد القادة الميدانيين المستقبليين للنادي. هذا الهدف فتح شهية الفريق، وبدأت الهجمات تتوالى من الجانبين.
كوندي والرد الفرنسي في قلب الدفاع
في الدقيقة 27، جاء الهدف الثاني عبر المدافع الفرنسي جول كوندي، بعد تمريرة حاسمة من النجم الصاعد لامين يامال، الذي لعب كرة دقيقة بين المدافعين، استغلها كوندي بانقضاض رائع، مؤكدًا أنه ليس فقط صخرة دفاعية بل أيضًا عنصرًا تهديفيًا فعالًا في الكرات الثابتة والمتحركة.
ورغم تسجيل كوندي لهدف ثالث قبل نهاية الشوط الأول، إلا أن حكم الفيديو المساعد (VAR) تدخّل وألغى الهدف بداعي التسلل، في لقطة أثارت الجدل قليلاً، لكن لم تؤثر على نسق اللقاء الذي كان يميل كليًا للبلوغرانا.
لامين يامال... صانع المجد القادم
المباراة كانت بمثابة استعراض فردي من لامين يامال. اللاعب الشاب تحرك بين الخطوط، مرر، راوغ، وسدد. في الدقيقة 55، ظن الجميع أنه سجّل هدفه الشخصي بعد مراوغة مهينة للمدافعين وتسديدة مركزة، إلا أن الـVAR ألغى الهدف مجددًا.
لكن برشلونة لم ينتظر كثيرًا، فبعد ثلاث دقائق فقط، سجّل رافينيا الهدف الثالث، معيدًا الفارق، ومثبتًا أن الفريق لا يتأثر سلبيًا بقرارات التحكيم أو تدخلات الفيديو. ثم أتى الدور على البديل المتألق فيران توريس، الذي أضاف الرابع في الدقيقة 67 بتمريرة حاسمة من داني أولمو.
أما الهدف الخامس، فقد جاء بمجهود جماعي وتكتيكي رائع، بعد تمريرة حاسمة من فيرمين لوبيز إلى يامال، الذي حوّل الكرة ببراعة داخل الشباك في الدقيقة 75، ليختتم مهرجان الأهداف ويُتوج أداءه الرائع بهدف مستحق.
بيتيس يعود في لحظة شرفية
في الدقيقة 84، تمكن ريال بيتيس من تسجيل هدفه الوحيد من ركلة جزاء عبر اللاعب البرازيلي فيكتور رويز، وهو هدف لم يغير شيئًا في النتيجة أو مجريات اللقاء، بل جاء كلمسة شرفية لفريق وجد نفسه ضحية هجومية لبرشلونة المدجج بالشباب والموهبة واللياقة الفنية.
تكرار سيناريو "الخمسة"... وكأنها عادة جديدة
الملفت في هذه المباراة ليس فقط النتيجة الكبيرة، بل توقيتها وسياقها. فالفريق الكتالوني أعاد تكرار نفس السيناريو الذي حدث في نهائي السوبر الإسباني ضد ريال مدريد، حيث سحق غريمه التقليدي 5-2، والآن يُكرّر نفس النغمة أمام بيتيس، ما يفتح الباب أمام نقاش رياضي مهم:
هل عاد برشلونة حقًا؟ وهل بدأ المشروع الجديد يجد طريقه للاستقرار والنتائج القوية؟ وهل يُمكن للبلوغرانا أن ينهي الموسم ببطولات محلية إن لم تكن أوروبية؟
تصاعد المنحنى الفني... إشارات إيجابية لا يمكن إنكارها
أداء برشلونة في هذه المباراة يُعد امتدادًا لسلسلة من التحسنات التي ظهرت مؤخرًا. الفريق بات يملك تنوعًا في الخيارات الهجومية، سواء من الأطراف (يامال ورافينيا)، أو من العمق (جافي، فيران توريس، فيرمين لوبيز)، أو حتى من الدفاع عبر صعود كوندي وأراوخو في الكرات الثابتة.
كما أن الإيقاع العالي والانضباط التكتيكي الذي ظهر في خط الوسط يعكس عملًا كبيرًا من الجهاز الفني، خاصة على مستوى الضغط بعد فقدان الكرة والتحول السريع من الدفاع للهجوم، وهي عناصر كانت غائبة في فترات سابقة من الموسم.
أرقام وشخصيات... من صنع الفارق؟
- لامين يامال: رجل المباراة بلا منازع. هدف، تمريرتين حاسمتين، ومراوغات ناجحة أعادت للجمهور ذكريات ميسي الشاب.
- فيران توريس: سجل هدفًا جميلًا وأثبت أنه لا يزال يملك ما يقدمه.
- كوندي: هدف ملغى وآخر محتسب، وحضور قوي في الصراعات الثنائية.
- رافينيا: سجل هدفًا وأثبت جاهزيته بعد سلسلة من الانتقادات.
طريق البطولة... هل بدأ الحلم الحقيقي؟
بعد هذا الانتصار، أصبح من الواضح أن برشلونة يتعامل مع البطولات المحلية بجدية بالغة، لا سيما مع صعوبة المنافسة في دوري الأبطال هذا الموسم. كأس الملك يُعتبر هدفًا واقعيًا ومناسبًا لمجموعة تتكوّن من مزيج الخبرة والشباب، خاصة بعد صعود الفريق إلى ربع النهائي بهذه الطريقة المذهلة.
النادي سيترقب قرعة الدور المقبل بثقة، لكنه يدرك جيدًا أن الطريق لا يزال طويلًا، وأن الفرق التي وصلت إلى هذه المرحلة ليست سهلة، ما يجعل من الضروري الحفاظ على نفس المستوى من التركيز والطموح.
برشلونة لا يرحم... والرسالة وصلت
بهذه الخماسية، يكون برشلونة قد أرسل رسالة صريحة لكل الفرق في إسبانيا: الفريق لم يعد هشًا كما بدا في بداية الموسم، والعناصر الشابة بدأت تأخذ مكانها على نحو يهدد الجميع.
وإذا كان لامين يامال هو عنوان هذا الانتصار، فإن الرسالة الأكبر هي عودة الروح، عودة "الهوية"، وعودة الإيمان بمشروع يُبنى بالحكمة، ويُدار بالشغف.
في كرة القدم، الأرقام تحكي أحيانًا، لكن الأداء هو من يكتب التاريخ. وبرشلونة، في هذه الليالي، يبدو وكأنه يستعد لكتابة فصل جديد... بخمسة أهداف في كل مرة.