تصريحات نيمار في حق ميسي وسواريز وعن الكرة الذهبية

 


نيمار دا سيلفا: بين الشغف، الصداقات، والندم الغائب

نيمار جونيور، الاسم الذي بات محفورًا في ذاكرة عشاق كرة القدم حول العالم، لم يكن مجرد لاعب مهاري يراوغ الكرة ببراعة، بل كان دائمًا شخصية معقدة ومليئة بالمشاعر، تجعله أقرب إلى الفنان منه إلى الرياضي التقليدي. فخلف كل مراوغة ساحرة، واحتفال راقص بعد هدف، تختبئ قصة شاب برازيلي حمل على عاتقه طموحات أمة، وسعى ليكون أكثر من مجرد نجم.

في تصريحاته الأخيرة، فتح نيمار قلبه وتحدث بصراحة نادرة عن محطات مسيرته الكروية، بداية من انتقاله إلى برشلونة، مرورًا بمغامرته المثيرة في باريس سان جيرمان، وانتهاءً بتأملاته في ما كان يمكن أن يكون، لولا الإصابات التي حرمته من التتويج بالكرة الذهبية.


برشلونة: حلم الطفولة الذي تحقق


عندما قرر نيمار الانتقال إلى أوروبا، كان أمامه خياران واضحان: ريال مدريد أو برشلونة. ورغم الإغراءات المالية والسياسية التي قد تجعل البعض يختار الريال، إلا أن نيمار اختار "قلبه"، على حد تعبيره، مؤكدًا أن حلمه منذ الطفولة كان اللعب في الكامب نو، بين جماهير برشلونة، وتحت أضواء ملعب شهد إبداعات رونالدينيو، معشوقه الأول.


لم يكن الأمر مجرد قرار مهني، بل كان انحيازًا للمشاعر، كما أوضح نيمار نفسه:


> "لقد أحببت برشلونة منذ كنت صغيرًا، كنت أتابع رونالدينيو وأتخيله أخًا أكبر. كان هذا النادي يعني لي الكثير، وأردت أن أكون جزءًا من تاريخه."




وعندما وصل إلى هناك، لم يكن وحده، بل وجد في ميسي وسواريز أكثر من زميلين. وجد عائلة كروية حقيقية.


MSN: ثلاثي الهجوم الذي غيّر مفاهيم الجماعية


علاقة نيمار بميسي وسواريز تجاوزت حدود الملعب. فقد شكل الثلاثي ما يُعرف إعلاميًا بـ"MSN"، واحدة من أقوى وأكثر الشراكات الهجومية تدميرًا في تاريخ اللعبة. لكن ما ميز هذه العلاقة لم يكن فقط عدد الأهداف أو البطولات، بل الروح الجماعية النادرة.


يحكي نيمار عن كيف أن ميسي، رغم كونه الأفضل في العالم، لم يتردد في تمرير الكرة له أو لسواريز، حتى وإن كان بإمكانه التسجيل بنفسه. وسواريز، في أحد المواسم التي نافس فيها كريستيانو رونالدو على الحذاء الذهبي، طلب من نيمار وميسي أن يساعداه، وبالفعل، تكاتف الثلاثي لتحقيق ذلك.


> "كان هناك حب واحترام متبادل. لم نشعر يومًا أن أحدنا يتفوق على الآخر، كنا ثلاثي يعمل كجسد واحد، نحتفل لأهداف بعضنا، ونتقاسم المجد."




باريس سان جيرمان: خطوة شخصية لا بحثًا عن مجد فردي


رحيل نيمار عن برشلونة كان صادمًا للكثيرين. فمن يترك نادٍ مثل برشلونة، حيث تلعب بجوار أفضل لاعب في التاريخ، وتحقق البطولات الكبرى؟ لكن نيمار قدم روايته بهدوء وصدق:


> "لم أذهب إلى باريس لأصبح الأفضل في العالم، لم يكن هذا هدفي. الناس قالوا إنني هربت من ظل ميسي، لكن الحقيقة أنني كنت سعيدًا في برشلونة."


السبب الحقيقي، بحسب نيمار، كان شخصيًا بامتياز. كان يريد خوض تجربة جديدة، ولعب دور القائد في فريق يتحدث لغته، ثقافيًا وكرويًا. تواجد أصدقائه المقربين مثل داني ألفيس وتياجو سيلفا جعله يشعر بالانتماء، بالإضافة إلى الأجواء الباريسية التي أراحته نفسيًا.


وقد أضاف أن ميسي سأله قبل الرحيل قائلاً:


> "إذا كنت تريد أن تصبح الأفضل، سأجعلك الأفضل".

لكن نيمار أجابه:

"أريد فقط أن أكون سعيدًا، وأشعر أنني في بيتي."




الإصابات: العدو الحقيقي


إذا كان هناك أمر واحد يأسف عليه نيمار، فهو الإصابات المتكررة التي طاردته في أهم لحظات مسيرته. غاب عن بطولات كبرى، وغابت عنه التتويجات الفردية. فبينما كان في قمة مستواه، جاءت لحظة السقوط، وتكررت السيناريوهات: تمزق هنا، إصابة في الكاحل هناك، ومؤخرًا إصابة أربطة قد تبعده عن الملاعب لفترات طويلة.


ورغم هذا، لم يظهر نيمار أي مرارة في حديثه، بل تحدث بنضج كبير:


> "كنت قريبًا من الكرة الذهبية، لكن الحياة أرادت غير ذلك. هذه ليست نهاية العالم. كل ما أريده هو اللعب، الاستمتاع، وإسعاد من يشاهدني."




المنتخب البرازيلي: شغف لا ينطفئ


لم يكن نيمار مجرد نجم أندية. بل حمل لواء منتخب بلاده منذ كان شابًا، وقاد الفريق في بطولات كبرى. من لحظة تتويجه بالذهب الأولمبي في ريو 2016، إلى دموعه بعد الخسارات القاسية، كان دائمًا هناك، في الصفوف الأولى، يحارب لأجل علم بلاده.


ورغم الانتقادات، كان دائمًا حاضرًا بالعطاء: أهداف، تمريرات حاسمة، وروح قتالية.

حتى أن البعض قال إن نيمار كان مظلومًا إعلاميًا مقارنة بلاعبين آخرين، لأنه حمل على عاتقه مسؤوليات أكبر مما يمكن لأي شاب في عمره أن يتحملها.


نيمار الإنسان: بين العائلة، الحب، والفن


بعيدًا عن الملاعب، نيمار هو شخصية متعددة الأوجه. يحب الموسيقى، يرقص السامبا، ويشارك جمهوره لحظاته الخاصة على وسائل التواصل. علاقته بابنه "دافي لوكا" تمثل جانبًا إنسانيًا نقيًا، حيث كثيرًا ما يظهر في مقاطع يلعب معه أو يحتفل بجانبه.


كما يُعرف عن نيمار دعمه للأعمال الخيرية في البرازيل، خاصة في الأحياء الفقيرة التي نشأ فيها. لم ينسَ جذوره أبدًا، وحرص على رد الجميل للمجتمع الذي صنعه.


> "أنا مجرد شاب من برايا غراندي، يحاول أن يجعل عائلته فخورة به."


نظرة إلى المستقبل: ماذا بعد؟


مع تقدمه في العمر، وتزايد الإصابات، بدأ الحديث عن نهاية مسيرة نيمار يلوح في الأفق. لكن بالنسبة له، لا يبدو أن التقاعد هو النهاية، بل بداية لمرحلة جديدة. قد يكون ذلك في التدريب، أو في تطوير المواهب البرازيلية، أو حتى في السينما والموسيقى التي يحبها.


ورغم عدم فوزه بالكرة الذهبية، إلا أن تاريخه يحمل ما هو أعظم من الجوائز: لحظات سحرية، ضحكات، دموع، أهداف لا تُنسى، وملايين المعجبين الذين أحبوه كما هو، بعيوبه ومميزاته.

 نيمار كما لم نره من قبل


قد يراه البعض لاعبًا موهوبًا لم يحقق ما كان متوقعًا منه، بينما يراه آخرون رمزًا للمتعة الكروية التي لا تتكرر. لكن الحقيقة التي لا جدال فيها، أن نيمار كان دائمًا صادقًا مع نفسه، اختار الحب على الحسابات، والمشاعر على الأرقام.


في النهاية، نيمار ليس مجرد لاعب. 

إنه حالة، قصة، فصل مهم في كتاب كرة القدم الحديثة، يستحق أن يُروى دائمًا.