كيلور نافاس ونيويلز أولد بويز: مغامرة لاتينية تعيد كتابة فصول المجد
في مفاجأة من العيار الثقيل، أعلن نادي نيويلز أولد بويز الأرجنتيني تعاقده مع الحارس الدولي الكوستاريكي كيلور نافاس، في خطوة بدت للوهلة الأولى غريبة وغير متوقعة، لكنها تحمل بين طياتها أبعادًا فنية وتاريخية وجماهيرية قد تغير الكثير من المعادلات، ليس فقط في مسيرة نافاس، بل أيضًا في هوية الدوري الأرجنتيني وطموحات أنديته.
لم يكن أحد يتصور أن يعود الحارس الذي رفع ثلاث كؤوس دوري أبطال أوروبا مع ريال مدريد إلى قارة أمريكا الجنوبية في هذا التوقيت، خاصةً وأنه كان حتى وقت قريب يمثل أحد أعمدة باريس سان جيرمان ويقف بين خشبات أحد أقوى الفرق الأوروبية. لكن، حين يختار نافاس مدينة روزاريو بدلًا من باريس أو مدريد، فثمة ما هو أعمق من مجرد صفقة انتقال.
■ حارس المجد الأوروبي يعود للجذور اللاتينية
تُعد رحلة نافاس إلى نيويلز أولد بويز بمثابة عودة إلى الجذور اللاتينية، حيث نشأ وترعرع في بيئة تنافسية مشبعة بالشغف والجنون الكروي، تمامًا كما هو الحال في الأرجنتين. بعد سنوات من التألق الأوروبي، يبدو أن الحارس الكوستاريكي قرر العودة إلى بيئة تشبهه، تشبه صراعه وكفاحه الأول، حيث لا تتحدد قيمة اللاعب بعدد عقوده أو قيمة انتقاله، بل بما يمنحه من انتماء، ولمن يقاتل على العشب الأخضر.
في نيويلز، لن يكون هناك بريق النجوم الأوروبيين، لكن سيكون هناك جمهور يصرخ باسمه من أول دقيقة، وأرضية صلبة من التحدي والرغبة في كتابة قصة جديدة.
■ نيويلز أولد بويز: نادٍ تاريخي يبحث عن لحظة استثنائية
نادي نيويلز أولد بويز ليس نادياً عادياً. هو أحد أعرق الفرق في الكرة الأرجنتينية، الفريق الذي خرج منه ليونيل ميسي وغابرييل باتيستوتا وماوريسيو بوتشيتينو وغيرهم من النجوم. لكنه، في العقدين الأخيرين، ابتعد قليلاً عن المشهد البطولي، واقتصر حضوره على مناسبات متفرقة.
إدارة النادي كانت تسعى منذ فترة إلى بناء مشروع يعيد له بريقه، وإحضار اسم بحجم كيلور نافاس يدخل ضمن هذا الإطار الطموح. الحارس الكوستاريكي ليس مجرد لاعب ينضم لتشكيلة الفريق، بل هو رسالة للعالم أن نيويلز مستعد لمنافسة الأندية الكبرى، ولجذب الأضواء من جديد.
■ قيمة كيلور نافاس: ما الذي يقدمه للنادي؟
على الصعيد الفني، لا يزال نافاس يحتفظ بمستوى عالٍ من الأداء. رغم تراجع مشاركاته في الموسم الأخير مع باريس سان جيرمان، إلا أن مستواه في المباريات التي خاضها، سواء مع النادي أو منتخب كوستاريكا، أظهر أنه لا يزال يتمتع بردود فعل استثنائية، وتمركز مثالي، وهدوء أعصاب يحسد عليه.
في دوري مثل الدوري الأرجنتيني، الذي يعتمد على السرعة والاندفاع البدني، سيكون لخبرة نافاس دور كبير في تحقيق التوازن الدفاعي، خصوصًا أن نيويلز يعاني منذ سنوات من اهتزاز في مركز الحراسة. وجوده سيمنح الفريق صلابة، وربما ثقة إضافية للمدافعين للعب بشكل أكثر تنظيمًا.
■ البعد التسويقي والإعلامي للصفقة
من الناحية التسويقية، تعد صفقة نافاس ضربة ذكية للنادي الأرجنتيني. في وقت تتصارع فيه الأندية الكبرى على حقوق البث وتوسيع قاعدة الجماهير، جاء انضمام حارس عالمي بحجم نافاس ليمنح نيويلز نافذة جديدة على الأسواق العالمية، خاصة في أمريكا الوسطى والشمالية، حيث يحظى نافاس بشعبية جارفة.
الصفقة لاقت اهتمامًا واسعًا في الإعلام الدولي، وتناقلتها الصحف الأوروبية والأمريكية، وهو ما لم يحدث مع أي صفقة انتقال في الدوري الأرجنتيني منذ سنوات. يمكن القول إن نافاس، حتى قبل أن يرتدي قميص الفريق رسميًا، حقق للنادي ما لم تحققه صفقات عديدة على مدى سنوات.
■ التحدي النفسي: هل ينجح في التأقلم؟
رغم كل هذه الإيجابيات، فإن السؤال الأهم يظل متعلقًا بقدرة نافاس على التأقلم مع الأجواء الجديدة. الأرجنتين ليست إسبانيا، والدوري المحلي يختلف كثيرًا عن البطولات الأوروبية في الإيقاع والتنظيم والمرافق، وحتى في التعامل الإعلامي والجماهيري.
لكن من يعرف تاريخ نافاس، يدرك أنه ليس بالحارس الذي يتذمر من الضغط. هو قادم من بيئة فقيرة في كوستاريكا، تسلق سلم المجد بصبر وعزيمة، وتخطى الحواجز في مدريد رغم محاولات تهميشه بعد قدوم كورتوا. وإذا كان هناك من حارس قادر على التأقلم مع كل المتغيرات، فهو بلا شك كيلور نافاس.
■ لماذا الآن؟ قراءة في دوافع القرار
من الناحية الشخصية، يبدو أن نافاس اتخذ القرار عن قناعة داخلية. بعد سنوات من اللعب في أعلى المستويات، ربما شعر بالحاجة إلى تجربة أكثر إنسانية من مجرد منافسة على الألقاب. الحياة في أوروبا، رغم رفاهيتها، قد تكون مرهقة نفسيًا، خصوصًا لمن جاء من بيئة متواضعة كبدايات نافاس.
ربما رأى في نيويلز فرصة لعيش كرة القدم بصفائها الأول، وسط جمهور لا يهمه عدد المتابعين على إنستغرام، بل يهمه عدد التصديات داخل الملعب. وربما وجد في مدينة روزاريو دفئًا افتقده في الملاعب الأوروبية.
■ هل يعود نافاس إلى الواجهة العالمية؟
يبقى السؤال الكبير: هل سيعيد نافاس نفسه إلى واجهة المنتخبات العالمية؟ صحيح أن اللعب في الأرجنتين قد يعني غيابًا مؤقتًا عن العيون الأوروبية، لكنه قد يكون أيضًا محفزًا إضافيًا للحارس للحفاظ على مستواه، على أمل المشاركة في بطولات قارية أو دولية قادمة مع منتخب كوستاريكا، خاصة مع اقتراب تصفيات كأس العالم 2026.
الحلم مستمر
في النهاية، لا يمكن النظر إلى صفقة انتقال نافاس إلى نيويلز أولد بويز كصفقة عادية. هي قرار شخصي عميق من لاعب عرف المجد الأوروبي، وقرر أن يكتب فصلاً جديدًا في قارة لم تنسَ أبدًا أبطالها. وإذا كان لكل لاعب لحظة يختار فيها طريقه، فإن نافاس اختار الطريق الأصعب، والأكثر صدقًا مع ذاته.
ربما لن تملأ المدرجات بصورته كما في البيرنابيو، لكن في روزاريو، سيجد من يصفق له بحرارة كلما تصدى لكرة أو أنقذ نقطة. وهنا، قد تبدأ أسطورة جديدة… أسطورة كيلور نافاس، رجل المجد الهادئ.