نيمار يعود إلى سانتوس بعقد قصير الأمد بعد 12 عامًا من الغياب


عودة الأسطورة: نيمار إلى سانتوس بعد 12 عامًا... عناق الماضي وانتظار المستقبل

في خطوة مفاجئة أعادت الذاكرة إلى الوراء، أعلن نادي سانتوس البرازيلي رسميًا عن توقيع عقد مع نجمه السابق نيمار جونيور لمدة ستة أشهر، ليعود بذلك اللاعب إلى ناديه الأم بعد غياب دام 12 عامًا جاب خلالها القارة الأوروبية وانتهى بمحطة قصيرة في الشرق الأوسط مع الهلال السعودي. الخطوة أثارت ضجة واسعة في الصحافة العالمية، ليس فقط بسبب اسم نيمار، بل لما تحمله من دلالات رمزية ورياضية في آنٍ واحد.

عودة إلى الجذور

نشأ نيمار في سانتوس وتدرج في فئاته السنية حتى لمع اسمه في الفريق الأول، ليكون في بداية العقد الماضي أحد أبرز نجوم الكرة العالمية وهو لم يتجاوز سن العشرين. في سانتوس، لم يكن نيمار مجرد موهبة، بل أيقونة صنعت لحظة جديدة في تاريخ النادي، وأعادت للفريق هيبته في القارة اللاتينية. برز كلاعب حاسم، سريع، ومراوغ من طراز فريد، وتمكن من قيادة سانتوس إلى ألقاب محلية وقارية، أبرزها كأس ليبرتادوريس عام 2011، بعد غياب طويل عن منصات التتويج القارية.

والآن، وبعد أكثر من عقد من الاحتراف الأوروبي، يعود النجم البرازيلي إلى حيث بدأ كل شيء. العودة ليست فقط لحظية أو عاطفية، بل تحمل في طياتها رسائل قوية لجمهور سانتوس، وللمتابعين في البرازيل والعالم. إنها عودة إلى الجذور، ومحاولة لاستعادة ما قد يكون ضاع في زحمة العقود والضغوط والمال.

الستة أشهر: فرصة أم محطة مؤقتة؟

العقد الذي يمتد لستة أشهر فقط يطرح علامات استفهام عدة. هل هي خطوة تكتيكية من نيمار لتجهيز نفسه بدنيًا ونفسيًا قبل خوض تحدٍ جديد، ربما في أوروبا أو حتى استعدادًا لكوبا أمريكا 2025؟ أم أن هذه الخطوة هي بمثابة اختبار للعلاقة بين النجم والنادي، وقد تتطور إلى عقد أطول إذا أثبتت التجربة نجاحها؟

ما لا شك فيه أن نيمار، حتى وهو على مشارف الثلاثينيات، لا يزال يملك من المهارة والخبرة ما يؤهله لصنع الفارق في الملاعب. لكن بالمقابل، فإن تاريخه الحديث مع الإصابات وتراجع مستواه في بعض المحطات، يجعل البعض يتساءل عن مدى قدرته على تحمّل ضغط العودة إلى نادٍ يراه جمهوره كمنقذ.

الراتب وتفاصيل الصفقة

بحسب ما تم الإعلان عنه رسميًا، سيحصل نيمار على راتب شهري قدره مليون ريال برازيلي (ما يعادل 166 ألف دولار). هذه الأرقام، رغم أنها أقل بكثير من رواتبه السابقة في باريس أو الهلال، إلا أنها تُعد كبيرة بمقاييس الدوري البرازيلي. وقد يكون هناك حوافز أخرى مرتبطة بالأداء، عدد المباريات، أو الأهداف المسجلة، لكن سانتوس يبدو مستعدًا للاستثمار في نجمه العائد، ليس فقط من أجل تحقيق نتائج على أرض الملعب، بل أيضًا من أجل الحضور الإعلامي، وزيادة العوائد التسويقية، وجذب الرعاة والجماهير.

تأثير الصفقة على الفريق

عودة نيمار تُعد دفعة معنوية هائلة لفريق سانتوس، الذي عانى في السنوات الأخيرة من تذبذب في الأداء وغياب عن المنافسة الحقيقية على الألقاب الكبرى. وجود لاعب بحجم نيمار، حتى إن لم يكن في قمة مستواه، يمكن أن يُشكل فارقًا كبيرًا على مستوى الخط الأمامي، ويوفر الخبرة والرؤية لبقية اللاعبين، خصوصًا العناصر الشابة التي نشأت وهي تتابع نيمار كمثل أعلى.

من الناحية الفنية، سيتعين على المدرب أن يكيف خططه لاستيعاب نيمار، خاصة في ظل تغيرات شكل اللعبة وتطور مستوى الخصوم في الدوري البرازيلي. كما يجب إدارة معدل مشاركة اللاعب بشكل دقيق لتفادي تجدد الإصابات، وضمان الاستفادة منه لأطول فترة ممكنة.

الأثر الجماهيري والإعلامي

منذ إعلان الصفقة، شهدت حسابات نادي سانتوس على وسائل التواصل الاجتماعي قفزة كبيرة في التفاعل، وارتفعت مبيعات التذاكر والقمصان بشكل ملحوظ. الجمهور البرازيلي، خاصة جماهير سانتوس، يتعامل مع نيمار باعتباره "الابن العائد"، والرهان الآن على أن ينجح اللاعب في إثبات أنه لا يزال يملك ما يقدمه، وأن عودته ليست مجرد عرض إعلامي، بل جزء من مشروع حقيقي لإعادة النادي إلى القمة.

الإعلام المحلي والعالمي وجد في هذه الصفقة مادة دسمة للحديث، خاصة أنها تأتي في وقت يعاني فيه الدوري البرازيلي من هجرة النجوم إلى الخارج، بينما تشكل عودة نيمار استثناءً لافتًا في هذا السياق.

ماذا عن الهلال؟

رغم أن نيمار غادر الهلال بعد موسم لم يكتمل بسبب الإصابة، إلا أن فترته مع النادي السعودي تظل محل جدل واسع. البعض اعتبرها تجربة غير موفقة، والآخر رأى أنها كانت فرصة للاستراحة المالية والفنية قبل خوض تحدٍ جديد. لكن ما هو مؤكد أن الهلال لم يحظَ بالفائدة المتوقعة من الصفقة، سواء على المستوى الفني أو الجماهيري، خاصة مع غياب اللاعب في أغلب فترات الموسم.

رحيل نيمار عن الهلال وإنهاء العقد بالتراضي فتح الباب أمام هذا الانتقال إلى سانتوس، وربما كان الاتفاق منذ البداية على منح اللاعب حرية اتخاذ قراره لاحقًا في حال لم تسِر الأمور كما يجب.

إلى أين يتجه نيمار بعد سانتوس؟

هذا هو السؤال الكبير الذي يطرحه الجميع. هل ستكون هذه العودة القصيرة مجرد استراحة محارب، يعود بعدها نيمار إلى أوروبا أو أمريكا أو حتى إلى وجهة جديدة؟ أم هل سيختار إنهاء مسيرته في بلده وبين جمهوره؟

ما يجب الانتباه إليه هو أن نيمار، رغم كل ما حققه، لا يزال يواجه أسئلة مفتوحة بشأن إرثه في كرة القدم. كثيرون يرونه موهبة فذة لم تستثمر كما يجب، وآخرون يعتبرونه ضحية لعصر تجاري لا يرحم. وربما تكون عودته إلى سانتوس الفرصة الأخيرة لإعادة كتابة نهايته الكروية كما يريدها هو، لا كما فرضتها الظروف.

عودة نيمار إلى سانتوس ليست مجرد خبر رياضي عابر، بل لحظة تحمل أبعادًا رمزية، إنسانية، وجماهيرية. إنها عودة إلى حيث بدأت الحكاية، لكنها أيضًا بداية فصل جديد قد يكون حاسمًا في تحديد مصير نيمار كلاعب، وسانتوس كنادٍ يبحث عن استعادة أمجاده. وبين الترحيب الحار والتوقعات الكبيرة، تبقى الكرة الآن في ملعب النجم البرازيلي ليُثبت أن الماضي الجميل يمكن أن يُكتب من جديد... ولكن بروح أكثر نضجًا وإصرارًا.