مسيرة راؤول أسينسيو الملقب براموس الجديد

 

راؤول أسينسيو.. خليفة راموس الجديد في قلعة ريال مدريد

في زمنٍ تتبدّل فيه الوجوه وتتناقل فيه الأجيال مشعل التألق والهيبة داخل ميادين المستديرة، يبرز من بين عديد الأسماء الشابة اسمٌ بدأ يطرق أبواب المجد بهدوء ولكن بإصرارٍ يليق بالكبار: راؤول أسينسيو ديل روساريو، المدافع الإسباني الشاب المولود في 13 فبراير 2003، والذي لُقب بين أوساط جماهير ريال مدريد والنقاد الرياضيين بـ"راموس الجديد" نظرًا لتشابه أسلوبه القتالي وتصرفاته القيادية مع أسطورة الدفاع سيرجيو راموس.

من "لا فابريكا" إلى الحلم الملكي

نشأ راؤول أسينسيو في أكاديمية ريال مدريد "لا فابريكا"، التي خرجت عبر عقود من الزمن أعظم الأسماء التي شكلت هوية النادي الملكي. منذ انضمامه إلى الفئات السنية، كان من الواضح أن الفتى يملك خامات نادرة؛ مزيج بين القوة البدنية والهدوء التكتيكي، والقدرة على قراءة مجريات اللعب بصورة تفوق عمره بكثير.

مع تقدمه في المراحل العمرية، أثبت راؤول تطورًا مطردًا على مستوى الأداء والوعي الخططي، مما جعله محط أنظار مدربي الأكاديمية، ثم مدرب الفريق الثاني "ريال مدريد كاستيا". هناك، أظهر موهبة استثنائية في فرض نفسه كقائد للخط الخلفي، يجيد افتكاك الكرة دون تهور، ويعرف متى يتقدم للمساندة ومتى يكتفي بدور الرقيب الأخير.

موسم 2022-2023: بداية الحلم

شهد موسم 2022-2023 حدثًا محوريًا في مسيرة أسينسيو؛ فقد تم استدعاؤه للفريق الأول لريال مدريد تحت قيادة المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي. ورغم أن تشكيلة الفريق كانت تكتظ بالأسماء الثقيلة في مركز قلب الدفاع، فإن أسينسيو نجح في خطف الأضواء خلال التدريبات والمعسكرات بفضل التزامه، وجديته، وتفانيه في كل تمرين، وهي سمات لطالما شكّلت قاعدة النجاح في ريال مدريد.

شارك أسينسيو في عدد من مباريات الكأس والدوري خلال ذلك الموسم، وترك بصمة إيجابية في كل ظهور. أكثر ما أثار الإعجاب هو جرأته في الانطلاق بالكرة نحو الأمام، وقدرته على كسر خطوط الخصم بتمريرات عمودية دقيقة. لم يكن مجرد مدافع كلاسيكي يُبعد الخطر فحسب، بل لاعبًا يجيد المساهمة في التحولات الهجومية، تمامًا كما كان يفعل راموس في ذروة تألقه.

شبيه راموس: في الأسلوب والشخصية

لقب "راموس الجديد" لم يُطلق على راؤول أسينسيو عبثًا. فالشبه لا يقتصر على مركز اللعب والروح القتالية، بل يمتد أيضًا إلى الشخصية القيادية، والصرامة في المواجهات الثنائية، وحتى الإيماءات على أرض الملعب. يمتلك راؤول شجاعة استثنائية في مواجهة المهاجمين، وثقة عالية في النفس لا تتزعزع، بل إنها تلهم من حوله.

هو ليس اللاعب الذي يكتفي بالوقوف مكانه وتنفيذ الأوامر، بل من النوع الذي يرفع صوته داخل الملعب، يوجه زملاءه، ويغضب حين يُخترق خط الدفاع أو يتعرض الفريق لضغط غير مبرر. هذه السمات جعلت منه قائدًا في كاستيا، وتُمهّد له الطريق ليكون حجر الأساس في مستقبل دفاع ريال مدريد.

إمكانيات دفاعية وهجومية نادرة

لا يخفى على المتابعين أن راؤول أسينسيو يتمتع بجوانب فنية تجعل منه مدافعًا عصريًا بامتياز. أبرز ما يُميزه:

  • التمركز المثالي: يعرف دائمًا أين يجب أن يكون، سواء لقطع تمريرة، أو للتغطية على زميل، أو للتقدم خطوة واستباق مهاجم.
  • التحكم بالكرة تحت الضغط: يندر أن يرى المشاهد أسينسيو يمرر كرة عشوائية. دائمًا يبحث عن حل مناسب، حتى في ظل ضغط الخصم.
  • الكرات الهوائية: طوله وقوته البدنية يمنحانه تفوقًا واضحًا في الكرات الرأسية، سواء دفاعيًا أو هجوميًا عند الركلات الثابتة.
  • التحول بالكرة: لا يتردد في الانطلاق للأمام حين يرى فرصة سانحة، ويمتلك قدرة مدهشة على إيصال الكرة للاعب خط الوسط أو الجناح بنقلات عمودية ذكية.

أنشيلوتي يؤمن به.. والجمهور ينتظر المزيد

من الواضح أن المدرب أنشيلوتي يرى في أسينسيو مشروع مدافع كبير. فالمدرب الإيطالي معروف بحذره في إشراك اللاعبين الشبان، لكنه منح أسينسيو فرصًا متدرجة ومدروسة تعكس ثقته في تطوره. في تصريحات سابقة، لمّح أنشيلوتي إلى أن راؤول يمكن أن يكون أحد حلول المستقبل، خاصة مع تقدم ناتشو وروديغير في السن، واحتمال رحيل بعض المدافعين في المواسم القادمة.

من جانب آخر، يبدو أن جماهير ريال مدريد متحمسة للاعب، خاصة أولئك الذين يشعرون بأن الفريق يفتقد شخصية دفاعية كارزمية منذ رحيل راموس. وإن استمر أسينسيو في التطور بنفس الوتيرة، فإنه لن يكون مجرد نسخة جديدة من راموس، بل نجمًا مستقلاً قادرًا على كتابة تاريخه الخاص.

مستقبل واعد في المنتخب أيضًا

راؤول أسينسيو لم يمر مرور الكرام على أعين مدربي المنتخبات السنية في إسبانيا، فقد شارك مع منتخب الشباب وترك انطباعات طيبة. ومع الاستراتيجية الجديدة للمنتخب الأول بإعطاء الفرصة للأسماء الشابة، يبدو أنه بات قريبًا من أول استدعاء رسمي، خاصة إذا واصل تألقه مع ريال مدريد.

المواصفات التي يملكها تجعله مناسبًا تمامًا لأسلوب "اللاروخا" القائم على البناء من الخلف والاستحواذ. فتمريراته القصيرة والدقيقة، ورؤيته للملعب، والتزامه التكتيكي، كلها عوامل تعزز من فرصه ليكون جزءًا من مشروع المنتخب للمستقبل القريب.

التحديات القادمة: الصبر، المنافسة، والاستمرارية

رغم المديح والإشادات، يعلم راؤول أن الطريق إلى القمة ليس سهلًا. فالمنافسة في ريال مدريد شرسة، والخطأ الواحد قد يُكلف اللاعب فرصًا كبيرة. لذلك، سيكون عليه أن يتحلى بالصبر، وأن يُظهر رغبة مستمرة في التعلم والتطور، سواء من خلال التدريبات أو من خلال الاحتكاك اليومي بنجوم كبار.

كما أن الإصابات وتغير خطط المدربين تمثل تحديات يجب عليه تجاوزها بحكمة. فالنجومية لا تُصنع في موسم واحد، بل عبر سنوات من العطاء والانضباط والتركيز.

راموس الجديد.. أم راؤول الحقيقي؟

في نهاية المطاف، يمكن القول إن راؤول أسينسيو ديل روساريو ليس مجرد "راموس الجديد"، بل هو اسم يُنحت بصبر في سجل كرة القدم الإسبانية، مدافع يملك من الموهبة والشخصية ما يؤهله ليكون أحد أعمدة ريال مدريد في العقد القادم. إن حافظ على مستواه، واستغل الفرص التي تُمنح له، فقد نكون أمام ولادة أسطورة جديدة في سانتياغو برنابيو.

ومع كل تمريرة ناجحة، وكل تدخل ناجح، وكل صرخة غضب يُطلقها في وجه الإهمال، يخطو راؤول خطوة جديدة نحو القمة. ولعلّ يومًا ما، سيقف في دائرة منتصف الملعب، شارة القيادة على ذراعه، ووجهه يفيض بالفخر، تمامًا كما فعل أسطورته راموس في سنوات المجد الماضية.