تاليسكا إلى فنربخشة.. صفقة صادمة تعيد رسم ملامح مشواره الكروي
في تحرك مفاجئ أعاد تشكيل خارطة الانتقالات الصيفية، أفادت تقارير صحفية موثوقة أن النجم البرازيلي أندرسون تاليسكا في طريقه إلى مغادرة نادي النصر السعودي والانضمام إلى صفوف فنربخشة التركي بموجب صفقة تستمر حتى صيف عام 2026. وبحسب المصادر، فإن اللاعب سيصل إلى مدينة إسطنبول خلال الساعات القليلة القادمة من أجل الخضوع للفحص الطبي، على أن يوقع بعدها رسميًا على عقد انضمامه للنادي التركي العريق.
هذه الصفقة التي تبدو من الوهلة الأولى روتينية في ظل سوق انتقالات مزدحم، إلا أنها في الواقع تمثل نقطة تحول محورية ليس فقط في مسيرة تاليسكا، بل أيضًا في شكل المشروع الرياضي لنادي النصر الذي كان يعول كثيرًا على خدمات اللاعب البرازيلي خلال المواسم الأخيرة.
■ لاعب استثنائي في دوري استثنائي
منذ انضمامه إلى النصر في صيف عام 2021 قادمًا من غوانغزو إيفرغراند الصيني، تحول تاليسكا سريعًا إلى أحد أبرز نجوم دوري روشن السعودي. بفضل أسلوبه المهاري، وقوة تسديداته، وقراءته الذكية للمباريات، أصبح حجر الأساس في خط وسط النصر، وكان له دور محوري في العديد من الانتصارات الحاسمة، بل ونافس على لقب هداف الدوري في أكثر من موسم.
وسجل تاليسكا أكثر من 50 هدفًا في مختلف البطولات مع النصر، وقدم عددًا كبيرًا من التمريرات الحاسمة، الأمر الذي جعله من أكثر اللاعبين فاعلية في الدوري السعودي على مدار المواسم الماضية، سواء من حيث الأرقام أو من حيث التأثير الفني داخل الملعب.
■ مفاجأة الرحيل: لماذا الآن؟
قرار انتقال تاليسكا إلى فنربخشة جاء بمثابة الصدمة للعديد من جماهير النصر، لا سيما أن اللاعب جدد عقده قبل فترة وجيزة، وكان يتمتع بمكانة شبه مقدسة بين جماهير النادي. فكيف يمكن تفسير هذا التحول المفاجئ؟
عدة عوامل ربما لعبت دورًا في هذا القرار. أولها، تكدّس النجوم الأجانب في صفوف النصر، وخاصة في المناطق الهجومية، بعد وصول كريستيانو رونالدو، وساديو ماني، وبروز أسماء أخرى مثل أوتافيو وبروزوفيتش، وهو ما قلّص من المساحة التكتيكية المتاحة لتاليسكا.
ثانيًا، تشير بعض التقارير إلى أن العلاقة بين تاليسكا والمدرب لويس كاسترو لم تكن على أفضل ما يرام في الأشهر الأخيرة، حيث أبدى اللاعب تحفظه على بعض القرارات الفنية، وخصوصًا تلك التي أبقته على دكة البدلاء في مباريات كبيرة.
ثالثًا، لا يمكن إغفال عامل الحافز الرياضي. تاليسكا، الذي لعب في الصين، ثم السعودية، يبدو أنه يبحث عن تحدٍّ جديد في بيئة تنافسية أوروبية، لا سيما أن فنربخشة من الأندية التي تشارك باستمرار في المسابقات القارية مثل الدوري الأوروبي، وتملك قاعدة جماهيرية عريضة.
■ فنربخشة: مشروع طموح في حاجة إلى قائد
فنربخشة لم يدخل سوق الانتقالات هذا الصيف من أجل ملء المقاعد. النادي التركي يعاني منذ سنوات من ابتعاد طويل عن التتويجات الكبيرة، ويجد نفسه في ظل منافسة شرسة مع غريميه الأزليين غلطة سراي وبشكتاش. وقد بدأ مسؤولو النادي في بناء مشروع جديد، يهدف إلى استعادة الهيبة المحلية، والذهاب بعيدًا في المنافسات الأوروبية.
التعاقد مع تاليسكا يمثل إشارة واضحة على جدية المشروع، فالنجم البرازيلي ليس مجرد لاعب وسط هجومي تقليدي، بل هو قائد بالفطرة، قادر على حسم المباريات بلمسة، وعلى إشعال المدرجات بجملة مهارية أو هدف مباغت. يمتلك رؤية استثنائية في التمرير، وذكاء ميداني يمكنه من التكيف مع مختلف الخطط، سواء كلاعب حر خلف المهاجم أو كجناح متقدم.
■ كيف سيتكيف تاليسكا مع أجواء تركيا؟
بالنظر إلى تجاربه السابقة في البرتغال (مع بنفيكا)، وفي الصين، ثم في الخليج، فإن تاليسكا ليس بغريب عن ثقافة اللعب خارج موطنه. بل إن من يتابع مسيرته يلاحظ أنه يتألق غالبًا عندما يلعب تحت الضغط، وفي ملاعب ممتلئة بالجماهير. وهذا ما سيوفره له الدوري التركي، حيث الأجواء الحماسية والتنافسية العالية.
ومن المتوقع أن يشكل اللاعب ثنائية خطيرة مع مهاجم فنربخشة الجديد إيدين دجيكو، إضافة إلى وجود لاعبين موهوبين في الوسط مثل إيرفان قهوجي وفريد رودريغيز، ما يمنح المدرب إسماعيل كارتال أدوات قوية لبناء فريق هجومي مرعب.
■ ماذا بعد بالنسبة للنصر؟
برحيل تاليسكا، يخسر النصر أحد أكثر لاعبيه فاعلية، سواء في النواحي الهجومية أو في قيادة المجموعة داخل غرف الملابس. ومع أن الفريق يضم أسماء عالمية مثل كريستيانو رونالدو، إلا أن انسجامها وتكاملها التكتيكي ما زال قيد التكوين، وكان تاليسكا أحد مفاتيح ذلك الانسجام.
الأنظار ستتجه الآن نحو الإدارة النصراوية: هل سيتم تعويض اللاعب بلاعب من نفس العيار؟ هل تكون هناك خطة لتصعيد اسم محلي؟ أم أن النادي يراهن على توظيف لاعبيه الحاليين لتغطية الفراغ؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ستحدد شكل الفريق في الموسم المقبل، خصوصًا في ظل تطلع النصر للمنافسة على لقب الدوري المحلي ودوري أبطال آسيا، بل وتحقيق إنجاز قاري يعكس حجم الاستثمار في مشروع النادي.
■ هل يتكرر سيناريو "أهدرنا موهبة"؟
في عدة مناسبات سابقة، غادر لاعبون أجانب مميزون أندية سعودية رغم تألقهم، ليثبتوا لاحقًا أنهم كانوا يستحقون البقاء. تاليسكا قد يكون أحد هؤلاء إذا ما انفجر أداءه في الدوري التركي وأبهر الجميع كما فعل في النصر. وفي المقابل، ربما يجد اللاعب نفسه في أجواء أقل استقرارًا من الناحية الإدارية والفنية، ما يعيد فتح الباب لتقييم "صواب القرار".
الجماهير النصراوية، التي كانت تهتف باسمه في كل مباراة، ستحتاج إلى وقت لاستيعاب رحيله، خاصة إذا بدأت النتائج في التذبذب، أو إذا تألق تاليسكا بقميص فنربخشة وسجل في الدوري الأوروبي من أول ظهور.
■ نقطة نهاية أم بداية جديدة؟
انتقال أندرسون تاليسكا إلى فنربخشة ليس مجرد صفقة انتقال تقليدية. إنها لحظة محورية تُنهي فصلاً مهمًا في قصة النجم البرازيلي في الشرق الأوسط، وتفتح أمامه صفحة جديدة في أحد أكثر الدوريات الأوروبية حرارة.
الكرة الآن في ملعب اللاعب، حرفيًا ومجازيًا. فإن استطاع أن يكرر هناك ما فعله في الرياض، فربما نراه مرة أخرى على رادار أندية أكبر، وربما حتى يعود إلى تمثيل منتخب البرازيل. وإن لم ينجح، فستبقى ذكراه في النصر، كنجم أسطوري غادر حين كان في قمة عطائه.
أما في النصر، فقد تكون هذه لحظة مراجعة، لإعادة النظر في فلسفة بناء الفريق، ومدى قدرة النجوم على البقاء والاندماج في مشروع طويل الأمد، خاصة في زمن يتغير فيه كل شيء بسرعة داخل ملاعب كرة القدم.