حكيم زياش يترك غلطة سراي وينتقل إلى الدحيل القطري


 حكيم زياش يغادر غلطة سراي وينضم إلى الدحيل: نهاية تجربة أوروبية وبداية رهان جديد في قطر

لم تكن نهاية رحلة حكيم زياش في أوروبا مفاجئة بالكامل، لكنها تظل دالة على مرحلة انتقالية في مسيرة لاعب موهوب مرّ بمحطات متقلبة، من أياكس وتشيلسي إلى تجربة غير مكتملة في غلطة سراي، وأخيرًا وصولًا إلى الدوري القطري عبر بوابة الدحيل. في هذا الانتقال، يطرح السؤال نفسه: هل هو هروب من ضغوط أوروبا أم بداية جديدة في بيئة تمنحه الاستقرار والثقة؟

من أياكس إلى غلطة سراي: صعود ثم تراجع

انطلق زياش إلى القمة من بوابة أياكس أمستردام، حيث سطع نجمه بقوة في دوري الأبطال موسم 2018–2019. تميّز بأسلوبه الهجومي الخلاق، ومهاراته العالية في صناعة اللعب، والتسديد من مسافات بعيدة. اجتذب الأنظار، لينتقل بعدها إلى تشيلسي الإنجليزي عام 2020، في صفقة وصفت حينها بأنها نقلة نوعية للنادي اللندني.

مع تشيلسي، لم تكن الأمور سهلة. ورغم بدايات واعدة وتسجيل بعض الأهداف الحاسمة، إلا أن إصابات متكررة، تغييرات فنية، وزيادة حدة المنافسة في مركزه، جعلت زياش حبيس دكة البدلاء في أوقات كثيرة. تراجعت أرقامه، وانخفض تأثيره، خاصة مع تفضيل مدربين مثل توخيل وبوتشيتينو للاعبين أكثر التزامًا بالواجبات الدفاعية.

بحلول صيف 2023، انتقل إلى غلطة سراي على سبيل الإعارة، في خطوة كان يُعتقد أنها ستعيد له البريق. إلا أن الواقع التركي لم يكن كما تخيل. لم ينسجم زياش كليًا مع فلسفة اللعب في الدوري التركي، ولم يكن مدرب الفريق على استعداد لبناء خططه حول لاعب لا يتمتع باستمرارية بدنية أو توازن دفاعي كافٍ. اقتصر ظهوره على عدد محدود من المباريات، وغاب أحيانًا بسبب الإصابات أو قرارات فنية.

لماذا الدحيل؟ تحليل قرار الانتقال

اختيار زياش الانتقال إلى الدحيل القطري في هذا التوقيت يفتح الباب أمام العديد من التفسيرات. من جهة، هناك الرغبة الواضحة في استعادة الاستمرارية في اللعب، بعيدًا عن ضغط الجماهير والإعلام الأوروبي. من جهة أخرى، تمثل التجربة القطرية خيارًا ماليًا مجزيًا، وهي فرصة للاعب يقترب من الثلاثين لإعادة بناء ثقته بنفسه.

نادي الدحيل ليس غريبًا على الصفقات الكبيرة، فقد ضم في السنوات الماضية أسماء لامعة من أفريقيا وأوروبا، ويخوض غمار المنافسة على كافة الأصعدة محليًا وقاريًا. الفريق يفتقر إلى صانع ألعاب بمواصفات زياش، خاصة من حيث التنوع في التمرير والكرات الثابتة والقدرة على إحداث الفارق في الثلث الأخير.

من الناحية التكتيكية، قد يجد زياش حرية أكبر في قطر. البيئة التكتيكية في دوري النجوم أكثر انفتاحًا وأقل صرامة مقارنة بالدوريات الكبرى، ما قد يتيح له اللعب بأريحية، دون أن يُطلب منه جهد دفاعي مبالغ فيه. كما أن الضغط الإعلامي أقل حدة، وهو أمر مهم للاعب تعرض لانتقادات قاسية في لندن وإسطنبول.

الأثر على المنتخب المغربي

يبقى السؤال الأكبر: كيف سيؤثر هذا الانتقال على دور زياش في المنتخب المغربي؟ في الظروف الطبيعية، يعتبر اللعب في دوريات مثل إنجلترا أو تركيا مؤشرًا على مستوى عالٍ من التنافسية، ما ينعكس إيجابًا على جاهزية اللاعب للمنتخب. إلا أن الوضع قد يكون مختلفًا مع زياش، فهو لم يشارك بانتظام في أوروبا في الموسمين الأخيرين، وبالتالي فإن اللعب باستمرارية في قطر، ولو بمستوى أقل، قد يفيده بدنيًا ونفسيًا.

المدرب وليد الركراكي كان واضحًا في تصريحاته السابقة حول أهمية الجاهزية، وليس اسم النادي فقط. إذا نجح زياش في استعادة مستواه الفني والبدني، فمن المؤكد أنه سيظل جزءًا أساسيًا من تشكيلة "أسود الأطلس"، خاصة مع اقتراب التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026 ونهائيات كأس أمم إفريقيا.

وجود زياش في المنتخب لا يرتبط فقط بالأداء في الملعب، بل أيضًا بدوره القيادي وتأثيره على الجيل الجديد. هو أحد رموز الجيل الذهبي الذي بلغ نصف نهائي مونديال قطر، وصوته مسموع في غرفة الملابس. الانتقال إلى الدوري القطري لن يغيّر من مكانته إذا ما استطاع إثبات نفسه.

رهان النجاح الشخصي قبل أي شيء

بعيدًا عن التحليلات الفنية والتكتيكية، يبدو انتقال زياش إلى الدحيل قرارًا شخصيًا بامتياز. بعد سنوات من التوتر وعدم الاستقرار، يبحث اللاعب المغربي عن بيئة تمنحه الراحة، تسمح له بإعادة اكتشاف ذاته، وتحرره من دائرة الشك التي لاحقته في أوروبا.

من الواضح أن زياش لم يفقد حماسه للعبة، رغم ما مر به. تصريحاته الأخيرة تشير إلى شغف متجدد ورغبة في تقديم الأفضل. انتقاله لا يعني أنه فقد الطموح، بل ربما يراه كاستراحة محارب، لإعادة التوازن قبل اتخاذ قرار بشأن الخطوة التالية.

قد يراه البعض نهاية للمسيرة الأوروبية، لكنه قد يكون أيضًا بداية نضج جديد، يستفيد فيه اللاعب من خبراته السابقة، ويترجمها إلى نجاحات محلية وقارية في آسيا، سواء مع الدحيل أو من خلال مشاركات محتملة في دوري أبطال آسيا وكأس العالم للأندية إذا تأهل فريقه.

حكيم زياش يغادر الملاعب الأوروبية بعد سنوات من الأضواء والضغوط، ويتجه إلى قطر حيث تنتظره تجربة مختلفة تمامًا. هذا الانتقال ليس فقط تحولًا جغرافيًا، بل هو تحول في فلسفة اللاعب المهنية، من مقاتل في دوريات النخبة إلى نجم يبحث عن الراحة والإبداع في بيئة أقل قسوة.

النجاح في الدحيل لن يُقاس بعدد الأهداف أو التمريرات الحاسمة فقط، بل بقدرته على استعادة نفسه كلاعب، والتأثير مجددًا على المستطيل الأخضر، سواء في قطر أو بقميص المنتخب المغربي. وبين من يراه في خريف مسيرته ومن يعتقد أنه لا يزال قادرًا على العطاء، يبقى زياش هو صاحب الكلمة الأخيرة، في رحلة لم تنتهِ بعد.