ديربي الغضب يشتعل من جديد: ميلان وإنتر يقدمان ملحمة كروية تنتهي بتعادل دراماتيكي
في ليلة لا تُنسى على أرضية ملعب "سان سيرو"، تجددت المواجهة الأزلية بين قطبي مدينة ميلانو، إيه سي ميلان وإنتر ميلان، فيما يُعرف بـ"ديربي الغضب". مباراة انتظرها الملايين حول العالم، ليس فقط لقيمتها التنافسية، بل لما تحمله من رمزية وتاريخ وصراع ممتد لعقود. وبينما توقع البعض تفوق أحد الطرفين بالنظر إلى ظروف الفريقين، جاءت المباراة لتؤكد أن الديربي لا يخضع لأي منطق، بل هو مساحة حرة للفوضى، للدراما، ولحكايات تُروى لأجيال.
منذ اللحظات الأولى، ظهرت نوايا الفريقين واضحة: لا مكان للتحفظ، ولا مجال للخسارة. الميلانيستا أرادوا إرسال رسالة أنهم عادوا ليكونوا أسياد المدينة، بينما النيراتزوري حاولوا التأكيد على هيمنتهم التي فرضوها في السنوات الأخيرة. ومع دخول اللاعبين أرض الملعب وسط أجواء نارية، شعرت الجماهير أن هذه الليلة ستكون استثنائية، وهو ما تحقق بالفعل.
شوط أول بتوقيع ريندرز: هدف في الوقت القاتل
الشوط الأول جاء متكافئًا إلى حد بعيد، مع بعض الأفضلية للإنتر في الاستحواذ وتحركات نيكولو باريلا وبنجامين بافارد، لكن ميلان بدا أكثر تركيزًا في التمركز الدفاعي. ومع اعتماد ميلان على المرتدات، برز الجناح الأمريكي بوليسيتش بسرعة انتقاله بالكرة، لكنه اصطدم بدفاع صلب بقيادة باستوني.
وعندما بدا أن الشوط الأول سينتهي بدون أهداف، انطلق رافاييل لياو من الجهة اليسرى بمراوغة رائعة مرر على إثرها الكرة إلى تيجاني ريندرز خارج منطقة الجزاء. ومن تسديدة قوية بقدمه اليمنى، مزقت الكرة شباك سومير في الدقيقة 45+1، ليمنح ميلان تقدمًا مستحقًا ويُشعل المدرجات الحمراء في سان سيرو.
هذا الهدف كان أكثر من مجرد تقدم رقمي؛ كان إعلانًا بأن ميلان جاء ليفرض كلمته. ريندرز، الذي تعرض سابقًا لانتقادات بعد أدائه المتذبذب، كسب ثقة جماهيره بهذا الهدف الجميل، وكان بمثابة رجل المهام الصعبة في ليلة معقدة.
شوط ثانٍ من نار: إنتر يعود في الوقت القاتل
في الشوط الثاني، دخل إنتر ميلان بوجه مغاير، وكأن سيموني إنزاغي بثّ في لاعبيه روحًا جديدة. الدفع بماركوس تورام أعطى حيوية هجومية إضافية، بينما تكفل مختاريان وباريلّا بمهام الربط وصناعة الفرص. ضغط الإنتر تزايد، وتعددت الركلات الركنية والتسديدات، إلا أن الحارس ماينان كان في الموعد، ليحرم النيراتزوري من التعادل في أكثر من مناسبة.
مع مرور الوقت، بدا أن ميلان سيخرج فائزًا، خاصة بعد التبديلات الدفاعية التي قام بها أرتور سافي، مدرب الروسونيري، لتأمين النتيجة. لكن كما هي عادة الديربي، المفاجآت لا تنضب. ومع وصول المباراة إلى الدقيقة 90+4، أرسل دومفريس كرة عرضية داخل المنطقة، استغلها المدافع ستيفان دي فريي برأسية قاتلة، خادعت الحارس وسكنت الشباك، لتعلن التعادل 1-1 في لحظة دراماتيكية.
ووكر يظهر لأول مرة: صخرة دفاعية جديدة في قلعة الروسونيري
من أبرز أحداث اللقاء كان الظهور الأول للإنجليزي كايل ووكر بقميص ميلان، قادمًا من مانشستر سيتي. ومنذ أول لمسة، أظهر ووكر ثقة لا تُصدق، سواء في التغطية الدفاعية أو في بناء اللعب من الخلف. لعب على الجهة اليمنى، ونجح في إيقاف اختراقات ديماركو المتكررة، بالإضافة إلى تمريراته الدقيقة التي ساعدت على نقل الكرة بسرعة إلى خط الوسط.
جماهير ميلان رحبت به بحرارة، وقدّم مباراة أولى مثالية تثبت أنه سيكون إضافة فنية وقيادية للفريق، في وقت يسعى فيه الميلانيستا للعودة إلى منصات التتويج محليًا وأوروبيًا.
معركة تكتيكية بين إنزاغي وسافي
من الناحية التكتيكية، شهدت المباراة معركة شرسة بين مدربي الفريقين. سافي دخل بخطة 4-2-3-1 مع تأمين محوري في الوسط من كرويتش وريندرز، بينما اعتمد إنزاغي على خطة 3-5-2 المعتادة، التي تتحول أحيانًا إلى 3-4-3 في الحالة الهجومية.
نقطة التحول في اللقاء كانت عندما قرر إنزاغي الدفع بتورام ولازاري، مما منح الإنتر عرضية هجومية أكبر وسحب ميلان إلى مناطقه. بينما تأخر رد سافي قليلًا، واكتفى بالدفاع في الثلث الأخير، وهو ما منح الإنتر المساحة لصناعة التعادل.
الأرقام تتكلم: تعادل مُرّ بطعم الفوز لكلا الفريقين
الإحصائيات أظهرت تفوقًا طفيفًا لإنتر في نسبة الاستحواذ (56% مقابل 44%)، والتسديدات (15 مقابل 10)، لكن الفعالية كانت متقاربة، إذ سدد كلا الفريقين 5 كرات على المرمى. من ناحية الركنيات والتمريرات المفتاحية، كانت الأفضلية للنيراتزوري، في حين تفوق ميلان في عدد التدخلات الدفاعية وقطع الكرات، بفضل الأداء المميز من ثنائي الدفاع توموري وثياو.
المباراة أظهرت أن كلا الفريقين يمتلكان أدوات قوية، لكنهما بحاجة إلى تحسين التفاصيل الصغيرة التي تحسم مثل هذه المواجهات الكبرى.
ما بعد الديربي: كيف يواصل الفريقان طريقهما في الدوري؟
رغم التعادل، خرج كلا الفريقين بمكاسب معنوية. ميلان أثبت أنه قادر على مقارعة الكبار وإزعاج الإنتر، بينما أظهر إنتر أن شخصيته القوية لم تختفِ، وقادر على العودة من أي نتيجة مهما كانت الظروف.
هذا التعادل يُبقي الإنتر متصدرًا بفارق نقطتين عن ميلان، مما يزيد من حدة الصراع على اللقب، خاصة مع تقارب المستويات بين نابولي ويوفنتوس وروما. الدوري الإيطالي هذا الموسم يبدو أنه سيكون على صفيح ساخن حتى الجولة الأخيرة.
جماهير ميلان وإنتر: فخر رغم النتيجة
في المدرجات، كانت الصورة رائعة. مشجعو ميلان غنوا للأبطال رغم التعادل، ورفعوا صورًا ضخمة لريندرز ولياو، بينما لم تتوقف جماهير الإنتر عن التشجيع حتى بعد الهدف القاتل، في مشهد يؤكد أن كرة القدم أكثر من مجرد نتيجة، بل هي انتماء وشغف لا يُقاس.
خلاصة الديربي: نقطة لكل فريق.. ولكن دروس لا تُنسى
مباراة كهذه لا تُقاس بنتيجتها فقط، بل بما تتركه من أثر. ميلان خرج بشخصية فريق مقاتل، وإنتر أظهر إصراره وثباته، لتبقى المدينة منقسمة، ولكن موحدة في حب كرة القدم.
الديربي القادم سيكون حارقًا، والتاريخ سيكتب صفحة جديدة من الصراع، لكن هذه الليلة ستظل محفورة في ذاكرة كل من تابعها، كواحدة من أعظم مواجهات ديربي الغضب في السنوات الأخيرة.