دي ماريا يفتح نار الجدل: ميسي الأفضل في التاريخ رغم عظمة كريستيانو
في عالم كرة القدم، لا يكاد يمر عام دون أن يُعاد فتح النقاش الأزلي: من هو الأعظم؟ ميسي أم كريستيانو رونالدو؟ ومع كل تصريح جديد من أحد النجوم الذين رافقوا هذا الثنائي الأسطوري، يعود السجال ليشعل الجماهير والإعلام والمحللين على حد سواء. لكن حين يأتي هذا التصريح من لاعب كبير مثل أنخيل دي ماريا، الذي عاش التجربة إلى جوار النجمين في أوج عطائهما، فإن للكلمات وزناً مضاعفاً ووقعاً مختلفاً.
دي ماريا، الجناح الأرجنتيني الرشيق الذي لعب سنوات مع كريستيانو رونالدو في ريال مدريد، وشارك ميسي رحلته مع المنتخب الأرجنتيني منذ أكثر من عقد، لم يتردد في أن يضع النقاط على الحروف. ففي مقابلة حديثة، لم يُخفِ إعجابه الكبير بكريستيانو، لكنه حسم الجدال من وجهة نظره الشخصية: "ميسي هو الأفضل في التاريخ، بلا منازع."
شهادة من داخل الملعب
حين يتحدث دي ماريا عن اللاعبين، فإنه لا يتحدث من موقع المشجع أو المحلل، بل من قلب الميدان. فقد عاش يوميًا تفاصيل التدريبات، وشارك في البطولات الكبرى، وعرف عن كثب طريقة تفكير كل من كريستيانو وميسي داخل غرف الملابس. هذه التجربة تمنحه شرعية نادرة في إصدار حكم موضوعي حول المقارنة الأكثر شهرة في تاريخ الرياضة.
دي ماريا لم يقلل من شأن كريستيانو، بل على العكس، أثنى على عقليته الاستثنائية، واصفًا إياه باللاعب الذي لا يتوقف عن التحدي، والذي صنع من نفسه أسطورة عبر العمل الشاق والإيمان المطلق بقدراته. "كريستيانو ماكينة لا تعرف الكلل، يمتلك عزيمة فولاذية، وهذا ما جعله يصل إلى ما وصل إليه"، يقول دي ماريا.
ومع ذلك، فإن الأمر بالنسبة له لا يتعلق فقط بالأرقام أو عدد الكرات الذهبية، بل يتعدى ذلك إلى جوهر اللعبة: التأثير على مجريات المباراة، صنع الفارق من لمسة، التحليق بالكرة كما لو كانت امتدادًا للجسد، تلك الأشياء التي يراها دي ماريا متجسدة في ميسي وحده.
ميسي: عبقرية فطرية لا تتكرر
عندما يتحدث دي ماريا عن ميسي، يبدو كمن يتحدث عن ظاهرة كونية، شيء يفوق التصور. لم يكن الأمر مجرد زمالة في المنتخب، بل تجربة روحية داخل الملعب. "ميسي لا يلعب، هو يعزف"، بهذه الكلمات وصف دي ماريا أسلوب لعب ليو، مؤكدًا أن ما يقدمه ميسي في الملعب لا يمكن تدريسه أو تعلمه، لأنه موهبة من عالم آخر.
وأكد دي ماريا أن ميسي لا يحتاج إلى أن يكون في أفضل حالاته البدنية كي يصنع الفارق، "يكفي أن يلمس الكرة مرة، ليتغير كل شيء." هذا النوع من اللاعبين، في نظر دي ماريا، لا يأتي إلا مرة واحدة في كل جيل، إن لم يكن في كل قرن.
ولا يخفي دي ماريا مدى تأثير ميسي في المنتخب الوطني، خصوصًا خلال مشوار التتويج بكأس العالم 2022، حيث اعتبر أن قيادة ميسي للمجموعة لم تكن فقط في الملعب، بل في الروح والمعنويات، وفي الثقة التي منحها لكل من حوله. "لقد ألهمنا جميعًا لنؤمن أن الحلم ممكن."
رونالدو: رمز الإصرار والتحدي
لكن العدالة تقتضي الاعتراف بمكانة كريستيانو رونالدو، وهذا ما لم يغفله دي ماريا. فهو يرى في النجم البرتغالي نموذجًا يُحتذى به من حيث الالتزام والانضباط والطموح الذي لا ينتهي. "كريستيانو لا يرضى بالمركز الثاني، هو دائمًا في معركة مع الزمن ومع نفسه ليكون الأفضل"، يقول دي ماريا.
ومن خلال تجربته معه في ريال مدريد، يتذكر دي ماريا كيف كان كريستيانو أول من يصل إلى التدريبات، وآخر من يغادر، وكيف كان يضع أمامه أهدافًا واضحة يسعى لتحقيقها مهما كلفه الأمر. هذه الصفات جعلته من أعظم لاعبي الكرة عبر التاريخ، وهو ما لا يختلف عليه اثنان.
ما بين العبقرية والتحدي: من ينتصر؟
في نهاية المطاف، يرى دي ماريا أن الفارق بين النجمين لا يُقاس بالأرقام فقط، بل بنوع التأثير الذي يتركانه في المباريات. ميسي، بحسب وصفه، أقرب إلى الفنان الذي يرسم بريشة ساحرة، بينما كريستيانو هو الرياضي المثالي الذي يطوع جسده وقدراته في خدمة المجد الشخصي والجماعي.
"رونالدو يُلهمك لتقاتل، وميسي يجعلك تحب اللعبة من جديد"، عبارة اختصر بها دي ماريا كل الفرق بينهما، وهي عبارة تشرح الكثير لمن لا يزال يحاول المقارنة بين النجمين.
الجدل الجماهيري: حسم أم تعقيد؟
لم تمر تصريحات دي ماريا مرور الكرام، فقد أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، وانقسم الجمهور كعادته بين مؤيد ومُعارض. أنصار كريستيانو اعتبروا أن دي ماريا يحابي مواطنه ميسي، بينما رأى آخرون أن من عاش مع النجمين يملك رؤية لا تتوفر لباقي المتابعين.
لكن الأهم من كل ذلك هو أن دي ماريا لم ينكر عظمة أي من اللاعبين، بل قدم وجهة نظر مبنية على تجربة ومعايشة، وليس على العاطفة فقط. وبالنهاية، فإن مقارنة ميسي وكريستيانو ليست حربًا من يجب أن يكسبها أحدهم، بل هي احتفال بكرة القدم في أبهى صورها.
هل نحتاج إلى الحسم؟
رغم كلمات دي ماريا، يبقى السؤال مفتوحًا: هل نحتاج فعلًا إلى حسم هذا الجدل؟ أم أن جمال كرة القدم يكمن في تنوعها، وفي أن يكون لكل لاعب أسلوبه الفريد وروعته الخاصة؟ ربما لا يكون هناك إجابة نهائية، وربما تكون الحقيقة أن ميسي وكريستيانو ليسا وجهين لعملة واحدة، بل نجمين ساطعين في سماء واحدة، لكلٍ منهما نوره الذي لا يطغى على الآخر.
لكن ما لا يمكن تجاهله، هو أن شهادة دي ماريا ستبقى واحدة من أقوى الشهادات في هذا الجدل التاريخي، لأنها أتت من لاعب كان شاهدًا على لحظات العظمة لدى كلا النجمين، واختار أن ينحاز للمسّاح الأرجنتيني الذي، كما يقول، لا يمكن تكراره مرة أخرى.