راشفورد... بين أنقاض مانشستر وأمل أستون فيلا: ولادة جديدة تحت جناح أوناي إيمري
بقلم: Malakoora
في كرة القدم، لا يكفي أن تمتلك الموهبة لتصنع المجد. تحتاج إلى بيئة حاضنة، مدرب يؤمن بك، وفريق يمنحك الثقة قبل التمريرة. في هذه اللحظة من مسيرة ماركوس راشفورد، يبدو أن النجم الإنجليزي وجد ضالته في أستون فيلا، وتحديدًا في مدربه الجديد أوناي إيمري، الذي قرر إعادة بناء لاعب هدمته الضغوط، وكادت أن تبتلعه دوامة الشكوك.
☁️ من ضوء مانشستر إلى عتمة الشك
راشفورد، الذي بزغ نجمه سريعًا في مانشستر يونايتد، كان يُنظر إليه يومًا كرمز الجيل الجديد للكرة الإنجليزية. أهدافه في بدايته، سرعته، لمساته الحاسمة، وروحه القتالية جعلته معشوقًا للجماهير، لكنه مع مرور الوقت، وجد نفسه محاصرًا بانتقادات جماهيرية، ضغوط إعلامية، وتذبذب في المستوى.
خفت وهجه فجأة. من هدّاف يُراهن عليه في كل مناسبة، إلى لاعب يُشركه المدربون من باب "الفرصة الأخيرة". رحلته في مانشستر تحولت إلى معركة داخلية مع الذات. البعض رأى أنه تاه بين السياسة والكرة، آخرون لاموا الإصابات والظروف. لكن الحقيقة الوحيدة كانت أن راشفورد فقد توازنه... وفقد منصبه الأساسي في تشكيلة الفريق.
🔄 نقطة التحول: أستون فيلا كمنصة إنقاذ
عندما تعاقد معه أستون فيلا، لم يكن التوقيع مجرد صفقة صيفية لملء الفراغ. بل كانت مغامرة محسوبة من مدرب مثل أوناي إيمري، الذي يدرك تمامًا كيف يتعامل مع اللاعبين الذين فقدوا ثقتهم. في أول تصريح له عن راشفورد، قال إيمري بوضوح:
"أنا لا أهتم بما حدث في مانشستر... ما يهمني هو كيف أستطيع استغلال ما يمتلكه من قدرات".
بهذا التصريح، وضع المدرب الإسباني حجر الأساس لمرحلة جديدة. مرحلة لا تلتفت للماضي، بل تركز فقط على استعادة اللاعب من الداخل قبل الخارج. لم يكن الهدف فقط تحسين أدائه الفني، بل أيضًا إعادة بناء شخصيته، وتحفيز رغبته في القتال من جديد.
🧠 العمل النفسي قبل الفني
المدهش في تعامل إيمري مع راشفورد هو التركيز على الجوانب الذهنية قبل كل شيء. يعلم المدرب أن استعادة راشفورد تتطلب أكثر من تدريبات صباحية، وأكثر من محاضرات تكتيكية. فكرته تتمثل في بناء لاعب يعرف كيف يتعامل مع الضغط، يثق في نفسه، ويستعيد بريقه دون أن يُثقل كاهله بمقارنات الماضي أو بأخطاء لم يكن وحده مسؤولًا عنها.
إيمري صرّح أيضًا بأن التحدي الذي يخوضه مع راشفورد "كبير ومُعقد"، ليس لأنه لا يملك المهارات، بل لأن المطلوب هو إزالة طبقات الشك التي تراكمت في شخصيته. في عالم يتغير بسرعة، لا وقت فيه للتعافي البطيء، قرر إيمري أن يمنح راشفورد فرصة حقيقية، ولكن بشرط: الجهد والانضباط.
⚽ التدريبات... راشفورد الجديد يولد
من داخل معسكر أستون فيلا، خرجت تسريبات عن مدى التزام راشفورد في التدريبات. اللاعب يبدو أنه وجد الراحة في مكان لم يكن فيه تحت عدسات الإعلام كل يوم. يتدرّب بتركيز، يستمع لتوجيهات إيمري، ويظهر رغبة حقيقية في التطور.
ولأول مرة منذ مواسم، لا يُطلب من راشفورد أن يكون "المنقذ" أو "القائد"، بل مجرد لاعب يرغب في التحسن. هذا التغيير في الأدوار جعله أكثر هدوءًا، وأقل عصبية، وأكثر فعالية.
حتى لغة جسده في المباريات الودية التي خاضها أستون فيلا مؤخرًا بدت مختلفة. يلعب بحرية، يُجرب، يُراوغ، ويبتسم. تلك الابتسامة البسيطة قد تكون مؤشرًا على أن الشاب الذي أرهقته الضغوط، عاد ليستمتع باللعبة من جديد.
📈 تطور تدريجي.. ولكن مبشر
في خطة أوناي إيمري، لا يُطلب من راشفورد تسجيل 20 هدفًا في الموسم الأول. بل المطلوب هو بناء قاعدة صلبة، يستطيع أن ينطلق منها بثقة. المدرب يعي تمامًا أن راشفورد ليس في حاجة لتسجيل هاتريك ليثبت نفسه، بل إلى استعادة إيقاعه أولًا.
ولهذا السبب، قد نشهد راشفورد في مراكز مختلفة داخل الملعب: كجناح، كمهاجم وهمي، أو حتى كصانع لعب. إيمري يحب التجريب، ويعرف أن اللاعب لا يمكن اختزاله في خانة واحدة. هذا التنوع سيمنحه مرونة أكبر، وسيساعده على إيجاد المساحة المناسبة له.
🔥 مستقبل راشفورد.. هل يعود إلى القمة؟
السؤال الذي يطرحه الجميع: هل يستطيع راشفورد العودة إلى مستواه العالمي؟
الإجابة ليست سهلة، لكن كل المؤشرات تقول: نعم، إذا استمر بهذا الالتزام وهذه الروح.
إيمري هو مدرب يعرف كيف يعيد تشكيل اللاعبين المنسيين. فعلها مع باكو ألكاسير في فياريال، ومع آرون رامسي في أرسنال، ومع العديد من الأسماء التي وجدت في فلسفته حياة جديدة. والآن، يبدو أن راشفورد على الطريق ذاته.
الجماهير بدأت تلاحظ هذا التغيير. الصحف بدأت تكتب عن "راشفورد الجديد". وهو، على ما يبدو، بدأ يُدرك أن الفرصة الحالية قد لا تتكرر.
🗣️ راشفورد يتحدث... بلغة جديدة
حتى في تصريحاته، راشفورد بات أكثر هدوءًا. لم يعد يرد على الانتقادات، ولم يعد يتحدث كثيرًا عن الماضي. كل ما يقوله هو:
"أركز على الحاضر، وأعمل بجد لأكون في أفضل حالاتي".
تصريح بسيط، لكنه يحمل دلالة واضحة: اللاعب يريد أن يُثبت نفسه بأفعاله، لا بكلماته.
من بين الركام... يولد الأمل
قصة ماركوس راشفورد مع أستون فيلا لم تبدأ فقط بنهاية علاقته مع مانشستر يونايتد، بل بدأت بإيمانه الشخصي بأنه يستطيع النهوض من جديد. وفي مدرب مثل أوناي إيمري، وجد الحاضنة المثالية لهذا النهوض.
ما يحدث الآن في فيلا بارك قد يكون ولادة جديدة لأحد أكثر اللاعبين موهبة في جيله. والأهم من ذلك، أنه يحدث في بيئة تؤمن بالعمل الصامت، والنتائج التي تُبنى ببطء ولكن بثبات.
فإذا استمر راشفورد على هذا النهج، فقد لا يكون فقط مجرد "مشروع ناجح" في أستون فيلا، بل قد يعود اسمه إلى قائمة النجوم الكبار في أوروبا، ويستعيد مكانته في المنتخب الإنجليزي.
وهذا ما نتمناه، ليس فقط كعشاق لكرة القدم، بل لأن كل قصة سقوط تستحق دائمًا فرصة جديدة للنهوض.
—
حقوق النشر محفوظة لـ Malakoora
نُشر أولًا عبر منصاتنا الرسمية