في أمسية كروية شهدت الكثير من التوتر والدراما، عاد ريال مدريد بنقطة واحدة فقط من ملعب "أل سادار" بعد تعادل صعب 1-1 مع أوساسونا، في مباراة لم تكن مجرد صراع على النقاط، بل تحولت إلى ساحة جدلٍ حول قرارات تحكيمية مثيرة، أبرزها الطرد المباشر الذي ناله النجم الإنجليزي جود بيلينغهام.
وبين هدف مبكر من كيليان مبابي، وركلة جزاء ضد كامافينغا، وبطاقة حمراء أثارت الانقسام، خرج ريال مدريد متعثرًا رغم أنه حافظ على صدارة ترتيب الليغا، لكن بصورة باهتة وغير مقنعة.
بداية مثالية لريال مدريد… ومبابي يظهر في الموعد
دخل ريال مدريد المباراة بتشكيل هجومي واضح المعالم، حيث اعتمد المدرب كارلو أنشيلوتي على كيليان مبابي كرأس حربة صريح، مدعومًا بتحركات بيلينغهام وفينيسيوس، في ظل غياب رودريغو بداعي الإصابة.
وفي الدقيقة 15، استطاع مبابي افتتاح النتيجة بعد تمريرة سحرية من لوكا مودريتش، انفرد على إثرها بالمرمى وأسكن الكرة في الشباك بسهولة. كان هدفًا مهمًا من الناحية النفسية، خاصة أن النجم الفرنسي تعرض مؤخرًا لبعض الانتقادات بخصوص استقراره في منظومة ريال مدريد.
بدا الفريق الملكي متحكمًا في إيقاع اللعب خلال النصف الأول من الشوط الأول، حيث استحوذ على الكرة بنسبة فاقت 60%، وكاد يضيف الهدف الثاني في الدقيقة 27 لولا تألق حارس أوساسونا، سيرجيو هيريرا، الذي تصدى لتسديدة قوية من كامافينغا.
الدقيقة 39: شرارة الجدل… طرد بيلينغهام
لكن كل شيء انقلب رأسًا على عقب في الدقيقة 39، حين أشهر الحكم بطاقة حمراء مباشرة في وجه جود بيلينغهام بعد احتكاك غير عنيف مع أحد لاعبي أوساسونا، ليشتعل الملعب بالاحتجاجات من لاعبي ريال مدريد والجهاز الفني.
الطرد كان مفاجئًا، ليس فقط لعدم وضوح نية التعدي أو الخشونة المفرطة من بيلينغهام، بل لأن الإعادة التلفزيونية لم تُظهر أي تجاوز يستحق البطاقة الحمراء. وعقب نهاية اللقاء، زادت حدة الجدل عندما أظهرت الكاميرات الحكم وهو يضحك أثناء خروجه من الملعب، ما فُسر على أنه استهزاء واضح من الموقف.
المدرب أنشيلوتي لم يُخفِ غضبه، وصرّح:
"القرارات لم تكن عادلة على الإطلاق. الطرد لم يكن مستحقًا، وكأن هناك نية مسبقة لإفساد المباراة".
وأضاف لاحقًا وهو ينظر إلى الصحفيين: "ما رأيناه اليوم ليس كرة قدم، بل شيء آخر تمامًا."
تضارب في التصريحات… بيلينغهام ومودريتش يدافعان
وفي المقابل، خرج بيلينغهام بتصريح هادئ بعد المباراة، قائلاً:
"لم أُهن الحكم. لم أتفوه بأي كلمة خارجة، وأعتقد أن الإعادات ستُثبت ذلك. الأمر مؤسف لأنني كنت أقدم أداءً جيدًا وساعدت فريقي في التقدم."
لوكا مودريتش وقف بجانب زميله الشاب، مدافعًا عنه بشدة، وقال للصحافة:
"لا! لا! لم يقل أي شيء! كنت قريبًا منه، ولم يتجاوز الحد مطلقًا. ما حدث أمر غير منطقي".
وبينما التزمت إدارة ريال مدريد الصمت الرسمي حتى اللحظة، تتحدث تقارير إعلامية عن نية النادي التقدم بشكوى رسمية للاتحاد الإسباني، اعتراضًا على "سوء التحكيم" الذي كلف الفريق نقطتين ثمينتين في سباق الليغا.
الشوط الثاني: النقص العددي يضع الريال في مأزق
مع بداية الشوط الثاني، دخل ريال مدريد بعشرة لاعبين، واضطر أنشيلوتي لإجراء تغييرات تكتيكية حفاظًا على التوازن، حيث أخرج فينيسيوس وأشرك تشواميني ليعزز خط الوسط.
لكن الدقيقة 58 حملت معها ضربة قاسية أخرى، عندما احتسب الحكم ركلة جزاء لصالح أوساسونا بعد احتكاك من كامافينغا داخل منطقة الجزاء. ورغم اعتراض اللاعبين، أظهرت تقنية الفيديو (VAR) أن التلامس كان موجودًا، وإن ظل القرار محل جدل من حيث الشدة والنية.
تقدم المهاجم الكرواتي بوديمير لتسديد الركلة، وسجلها بنجاح على يمين لونين، ليعلن عن تعادل أوساسونا ويشعل اللقاء مجددًا.
أداء بطولي رغم النقص… ولكن دون نتيجة
ورغم النقص العددي، قدم لاعبو ريال مدريد شوطًا ثانيًا شجاعًا، وتمركزوا جيدًا دفاعيًا، بل وكادوا يسجلون هدف الفوز في الدقيقة 83 عبر تسديدة قوية من توني كروس تصدى لها الحارس ببراعة.
محاولات مبابي الفردية اصطدمت بدفاع منظم، في حين بدا أن بقاء مودريتش وناشو في الملعب كان ضروريًا لامتصاص الضغط. وفي النهاية، أعلن الحكم صافرة النهاية، وسط أجواء مشحونة بين اللاعبين والحكام، لتنتهي المواجهة بالتعادل الإيجابي 1-1.
النقطة الإيجابية الوحيدة: صدارة الليغا مستمرة
رغم التعادل، بقي ريال مدريد في صدارة الدوري الإسباني، مستفيدًا من تعثر غريمه برشلونة أمام جيرونا في الجولة ذاتها. لكن أنشيلوتي يُدرك أن السباق على اللقب لن يكون سهلًا، وأن إهدار النقاط بسبب التحكيم أو الأخطاء الفردية قد يكلف الفريق الكثير مع نهاية الموسم.
ماذا بعد؟ إصلاح منظومة التحكيم أولًا
مباراة أوساسونا كانت نموذجًا حيًا لحالة الفوضى التحكيمية التي تعاني منها الليغا مؤخرًا. قرارات غير مفهومة، تطبيق انتقائي لتقنية الفيديو، وتفسيرات متناقضة من لجنة الحكام. ويبدو أن الجدل سيتواصل، خاصة إذا استمرت الفرق الكبيرة في خسارة النقاط بهذه الطريقة.
ريال مدريد، بتاريخه وقيمته، من المفترض أن يكون محميًا من العبث التحكيمي، لا ضحية له. وإن لم يتحرك الاتحاد الإسباني بسرعة لضبط الأمور، فقد يفقد الدوري الإسباني ما تبقى له من سمعة.
نقطة بطعم الخسارة، ورسائل يجب أن تُفهم
التعادل أمام أوساسونا لم يكن عاديًا، بل كان مليئًا بالدروس والرسائل. الفريق أظهر شخصية قوية رغم الظروف، ومبابي أثبت أنه قادر على الحسم. لكن العنوان الأبرز للمباراة ظل "التحكيم"، الذي سرق الأضواء وغيّر مجريات اللقاء.
جود بيلينغهام، النجم الشاب، تعرض لطرد غير مبرر، وخرج من المباراة مظلومًا، بينما باتت ثقة الجمهور في العدالة داخل الملعب على المحك.
ورغم ذلك، يبقى ريال مدريد في موقعه الطبيعي: في القمة. لكنّ الأعين كلها ستكون على الجولة القادمة، لمعرفة إن كانت هذه "النقطة" بداية لانحدار، أم حافزًا جديدًا للمضي نحو اللقب.