ملحمة مدريدية جديدة في دوري الأبطال: ريال مدريد يحسم الذهاب أمام أتلتيكو بنتيجة 2-1
في واحدة من أكثر الليالي الكروية ترقبًا هذا الموسم، احتضن ملعب سانتياغو برنابيو موقعة من العيار الثقيل بين ريال مدريد وأتلتيكو مدريد، ضمن ذهاب دور الـ16 من دوري أبطال أوروبا. لقاء يجمع بين فريقين يعرفان بعضهما جيدًا، غريمين لدودين في العاصمة الإسبانية، اعتادا أن تكون مواجهاتهما مشحونة بالإثارة والندية، سواء في الدوري المحلي أو في المحافل الأوروبية.
جماهير "الميرينغي" حضرت بأعداد هائلة لتملأ أرجاء البرنابيو بالأهازيج والأعلام البيضاء، فيما كان المشهد على أرض الملعب يوحي أننا على موعد مع صراع تكتيكي ونفسي لن يُحسم بسهولة. وفي النهاية، ابتسمت النتيجة لريال مدريد بهدفين مقابل هدف، لكنها نتيجة تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات قبل موقعة الإياب المنتظرة في معقل أتلتيكو، واندا ميتروبوليتانو.
رودريغو يفاجئ الجميع ويمنح البداية المثالية
لم ينتظر ريال مدريد طويلًا ليفرض نفسه على أجواء اللقاء. منذ الدقيقة الرابعة فقط، أشعل النجم البرازيلي رودريغو المدرجات بهدف مبكر جاء بمهارة عالية. فبعد تمريرة بينية ذكية، تسلّم الكرة بلمسة ساحرة، ثم راوغ مدافع الأتلتي قبل أن يطلق قذيفة استقرت في الزاوية البعيدة لمرمى يان أوبلاك.
هذا الهدف المبكر لم يكن مجرد تقدم رقمي على لوحة النتيجة، بل كان بمثابة رسالة واضحة من ريال مدريد: "نحن هنا من أجل الفوز، ولن نترك زمام المبادرة". ومع ذلك، لم يكن أتلتيكو مدريد الفريق الذي يرضخ بسهولة، بل سرعان ما أعاد تنظيم صفوفه واستعاد التوازن في وسط الملعب.
أتلتيكو يرد عبر ألفاريز
مرت الدقائق التالية وسط ضغط متبادل، حيث حاول ريال مدريد مضاعفة النتيجة بينما بدأ رجال دييغو سيميوني في البحث عن الثغرات. وفي الدقيقة 32، جاء الرد عبر الأرجنتيني خوليان ألفاريز، الذي أثبت قيمته الكبيرة في مثل هذه المباريات.
استغل ألفاريز هجمة منسقة انطلقت من وسط الملعب، ليتسلم الكرة على مشارف منطقة الجزاء، ثم أطلق تسديدة صاروخية لم ينجح كورتوا في إيقافها. هدف التعادل أعاد المباراة إلى نقطة الصفر، وأشعل الحماس في مدرجات جماهير "الروخيبلانكوس" التي رافقت فريقها إلى البرنابيو.
وبينما انتهى الشوط الأول بالتعادل 1-1، كان واضحًا أن الفريقين قد دخلا أجواء "حرب نفسية" حقيقية، حيث بات أي خطأ دفاعي أو فردي قد يكلّف أحدهما غاليًا.
إبراهيم دياز يواصل التألق ويكتب التفوق للميرينغي
مع بداية الشوط الثاني، بدا أن ريال مدريد أكثر إصرارًا على حسم اللقاء مبكرًا قبل الذهاب إلى الإياب. المدرب أنشيلوتي دفع بخطوطه للأمام، معتمدًا على سرعة الجناحين وحيوية الوسط. وفي الدقيقة 55، جاء الفرج عبر المغربي إبراهيم دياز، الذي يعيش فترة ذهبية في مسيرته.
الهجمة بدأت من منتصف الملعب بتمريرة خاطفة، لتصل الكرة إلى دياز الذي أظهر ثقة كبيرة، مراوغًا المدافع ثم مسددًا بدقة داخل الشباك، وسط عجز الحارس أوبلاك عن التصدي. احتفال دياز أمام الجماهير كان دليلاً على الأهمية المعنوية لهذا الهدف، ليس فقط للفريق، بل له شخصيًا، بعدما نجح في التسجيل للمباراة الثانية على التوالي كأساسي.
صمود كورتوا ودفاع محكم
بعد التأخر 2-1، حاول أتلتيكو مدريد العودة من جديد، وضغط في الدقائق الأخيرة بكثافة، معتمدًا على الكرات العرضية والهجمات المرتدة السريعة. غير أن دفاع ريال مدريد، بقيادة روديغر وألابا، أظهر صلابة كبيرة، بينما لعب الحارس تيبو كورتوا دورًا بطوليًا في الحفاظ على التقدم، حيث تصدى لفرصتين خطيرتين كادتا أن تغيّرا مجرى اللقاء.
وفي المقابل، اعتمد ريال مدريد على المرتدات السريعة لقتل المباراة بهدف ثالث، لكن رعونة بعض الهجمات حالت دون ذلك.
رجل المباراة: رودريغو
رغم أن المباراة شهدت تألق أكثر من لاعب داخل صفوف ريال مدريد، فإن الانظار اتجهت نحو البرازيلي رودريغو، الذي كان بمثابة كلمة السر في هجوم الميرينغي. لم يكن الهدف المبكر الذي سجله مجرد لحظة حاسمة وضعت فريقه في المقدمة، بل كان أيضًا الشرارة التي أشعلت أجواء البرنابيو ومنحت زملاءه الثقة لتسيير اللقاء بالطريقة التي يريدها المدرب أنشيلوتي.
رودريغو لم يكتفِ بالتهديف، بل لعب دور المحرّك الدائم على الجهة اليمنى، حيث تسببت انطلاقاته السريعة ومراوغاته المتكررة في إرباك دفاع أتلتيكو مدريد وإجبار سيميوني على تعديل تمركز لاعبيه أكثر من مرة. وحتى في اللحظات التي تراجع فيها ريال مدريد للحفاظ على النتيجة، ظل اللاعب البرازيلي يشكل تهديدًا دائمًا على المرتدات بفضل سرعته وقدرته على التوغل خلف الخط الخلفي للخصم.
ولعل أكثر ما يميز أداء رودريغو في هذه المباراة هو نضجه التكتيكي، إذ لم يعد مجرد جناح يعتمد على مهارته الفردية، بل أصبح لاعبًا يقرأ المساحات، يتحرك بذكاء لفتح الخيارات أمام زملائه، ويساهم في الضغط العالي الذي اعتمده الفريق على فترات. هذا التنوع جعل اختياره كأفضل لاعب في المباراة أمرًا طبيعيًا، خاصة أنه جمع بين الحسم الفردي والانضباط الجماعي، وهو ما تبحث عنه دائمًا الفرق الكبرى في بطولاتها القارية.
نظرة على الإياب
بانتصاره 2-1، قطع ريال مدريد خطوة مهمة نحو ربع النهائي، لكنه يدرك أن المهمة لم تُحسم بعد. فمباراة الإياب على ملعب واندا ميتروبوليتانو ستكون ملتهبة بكل المقاييس، حيث سيحاول أتلتيكو مدريد استغلال دعم جماهيره لتحقيق "ريمونتادا" تعيده إلى المنافسة الأوروبية.
ويبقى السؤال الكبير:
هل يواصل ريال مدريد مسيرته بثبات نحو اللقب الرابع عشر في تاريخه، أم أن رجال سيميوني سيقلبون الطاولة ويكتبون فصلًا جديدًا في تاريخ الديربي الأوروبي؟
الأكيد أن ما ينتظرنا في الإياب سيكون أكثر إثارة ودرامية مما شاهدناه في البرنابيو.