بيب غوارديولا: عندما يعترف العظماء بالضعف
في كرة القدم الحديثة، حيث تسود لغة الأرقام والألقاب، قل ما نجد مدربًا يضع الإنجازات جانبًا ويتحدث بصدق عن الشعور بالفشل.
بيب غوارديولا، أحد أعظم المدربين في تاريخ اللعبة، خرج بتصريح جريء قال فيه إن موسم مانشستر سيتي كان سيئًا، رغم التأهل لنهائي كأس الاتحاد الإنجليزي، والعبور إلى دوري أبطال أوروبا، وتحقيق انتصارات هامة في الدوري.
فما الذي يدفع مدربًا بحجمه إلى هذا التقييم السلبي رغم انه احتل المركزالثالث في ترتيب الدوري الإنجليزي؟
غوارديولا لا يقيس النجاح بالنتائج الظاهرة فقط، بل بالثبات في الأداء، خاصة في الدوري الإنجليزي الممتاز، البطولة التي يراها المعيار الحقيقي لقوة أي فريق.
في تصريحه لشبكة "سكاي سبورتس"، قال بوضوح: "ما يجعلك تشعر بأن الموسم جيد هو الدوري الإنجليزي الممتاز، وليس دوري أبطال أوروبا أو كأس الاتحاد الإنجليزي."
هذا التصريح يفتح نافذة على عقلية غوارديولا الفريدة التي ترى في الاستمرارية والاتساق أكثر أهمية من الإنجازات الموسمية المؤقتة.
القيمة المضافة في هذا التصريح لا تكمن فقط في الجرأة، بل في إعادة تعريف مفهوم النجاح.
ففي عالم يعتبر الوصول إلى نصف نهائي الأبطال أو الفوز بكأس محلي إنجازًا، يضع بيب معايير أكثر صرامة، ويطالب بموسم كامل من السيطرة والثبات في أقوى دوري في العالم.
اعترافه بأن الموسم لم يكن جيدًا هو تعبير عن التواضع والنقد الذاتي.
قليلون هم من يملكون شجاعة الاعتراف بالتقصير أمام وسائل الإعلام، خاصة عندما تكون النتائج "رسمياً" لا تبدو فاشلة.
لكنه مدرب لا يقارن نفسه بالآخرين، بل يقيس فريقه بما يمكن أن يكون عليه، لا بما هو عليه الآن.
غوارديولا أيضًا يرسل رسالة ضمنية للاعبيه ومشجعيه: "المعايير لا تتغير حتى لو تعثرنا."
هذه الرسالة هي ما يصنع الفارق بين فريق يتأرجح بين النجاحات والإخفاقات، وفريق يهيمن على كرة القدم محليًا وقاريًا لسنوات.
كما أن حديثه عن "محاولة الحد من الضرر حتى النهاية" يُظهر جانبًا آخر من شخصيته، وهو الإيمان بالعمل حتى اللحظة الأخيرة.
حتى في موسم يعتبره دون المستوى، لا مكان للتراخي أو الاستسلام، بل هناك سعي دائم لتقليل الخسائر وتحقيق أقصى ما يمكن.
هذا التصريح لم يكن مجرد تبرير لموسم أقل من المتوقع، بل كان درسًا في القيادة، والمحاسبة الذاتية، والرغبة المستمرة في التطور.
فبيب لا يرى نفسه مجرد مدرب يحقق الألقاب، بل قائد مشروع طويل الأمد، حيث المعيار الأساسي هو الجودة المستمرة، وليس فقط النهايات السعيدة.
في النهاية، بيب غوارديولا يثبت مرة أخرى أنه ليس مجرد مدرب ناجح، بل عقلية استثنائية تُعيد تشكيل مفاهيم النجاح والفشل في كرة القدم.
اعترافه بالضعف ليس نقطة ضعف، بل أحد أسرار قوته التي تجعله دائمًا في القمة، حتى عندما يكون الموسم "سيئًا".